للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد ظهرت هذه الآثار المخربة، بالأخص فى محيط الزراعة والصناعة، وكان تدهور إيراد الضياع الكبيرة، وإيراد الكنائس والأديار، دليلا على ما أصاب قوة اسبانيا المنتجة، الزراعية والصناعية، بسبب نفى طائفة كبيرة، من أنشط طوائف السكان وأغزرهم إنتاجاً. وكان من الحقائق المعروفة أن السكان الإسبان، كانوا يبغضون الأعمال الزراعية والفنية، ويعتبرونها أمراً شائناً، وأن الإسبانى لا يربى أولاده لمزاولة العمل الشريف، وأن أولئك الذين لا يجدون عملا فى الجيش أو الحكومة، يلتحقون بالكنيسة. ويبدى المؤرخ الإسبانى الكبير ناباريتى أسفه لوجود أربعة آلاف مدرسة فى عصره (أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر)، يتعلم فيها أبناء الفلاحين، بينما تهجر الحقول، ولأن أولئك الذين لا يجدون منهم عملا فى الكنيسة لنقص تعليمهم، يحترفون التسول أو التشرد أو السرقة. وقد كتب سفراء البندقية منذ القرن السادس عشر إلى حكومتهم ينوهون بهذه الحقائق، ويصفون الإسبان بأنهم زراع وعمال كسالى، يحتقرون العمل اليدوى، حتى أن ما يمكن عمله فى البلاد الأخرى فى شهر، يعمله الإسبان فى أربعة أشهر (١).

ويردد الوزير محمد بن عبد الوهاب الغسانى سفير سلطان المغرب مولاى اسماعيل إلى اسبانيا، وقد زارها فى سنة ١٦٩١، أعنى بعد النفى بثمانين عاماً، عن الإسبان مثل هذا الرأى إذ يقول فى رحلته:

" وبحصول هذه البلاد الهندية (يقصد أمريكا) ومنفعتها وكثرة الأموال التى تجلب منها، صار هذا الجنس الإسبنيولى اليوم أكثر النصارى مالا، وأقواهم مدخولا، إلا أن الترف والحضارة غلبت عليهم، فقلما تجد أحداً من هذا الجنس يتاجر أو يسافر للبلدان بقصد التجارة كعادة غيرهم من أجناس النصارى مثل الفلامنك والإنجليز والفرنسيس والجنويين وأمثالهم، وكذلك الحرفة التى يتداولها السقطة والرعاع وأراذل القوم يتأبى عنها هذا الجنس، ويرى لنفسه فضيلة على غيره من الأجناس المسيحيين" (٢).

وقد كان النبلاء والأحبار، وأصحاب الضياع الكبيرة بوجه عام، يعتمدون فى تعهد أراضيهم وفلاحتها، على نشاط الموريسكيين وبراعتهم، فلما وقع النفى


(١) Lea: The Moriscos ; p. ٣٧٩ - ٣٨١
(٢) رحلة الوزير الغسانى المسماة "رحلة الوزير فى افتكاك الأسير" (العرائش ١٩٤٠) ص ٤٤ و ٤٥

<<  <  ج: ص:  >  >>