للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جمد النشاط الزراعى، وخلت معظم الضياع من الزراع، وأقفر كثير من القرى، وهدمت ضياع كثيرة لخلوها من السكان، ولاسيما فى منطقة بلنسية، واضطر النبلاء إلى استقدام العمال الزراعيين من الجزائر الشرقية (البليار) وأنحاء البرنيه وقطلونية، ومع ذلك فقد حدث نقص ملحوظ فى غلات الضياع الكبيرة، ولم ينتفع النبلاء بما أصابوه من الاستيلاء على الأراضى التى نزعت، وتعذر عليهم تعميرها وفلاحتها، وحاق بهم الضيق حتى اضطر العرش إلى منح كثيرين منهم نفقات سنوية من خاصة أمواله، هذا فضلا عما أصاب طوائف السكان الأخرى، التى كانت تتصل بالموريسكيين فى المعاملات والتبادل، من العسر والضيق.

وكما انحط دخل الكنائس والأديار، فكذلك خسر ديوان التحقيق شطراً كبيراً من دخله، مما كان يصيبه من مصادرة أموال الموريسكيين والحكم عليهم بالغرامات الفادحة، واضطرت الحكومة أن تعول كثيراً من محاكم التحقيق، التى أوشكت على الإفلاس، من جراء اختفاء الجماعة التى كانت تزدهر بمطاردتها واستصفاء أموالها. وقد بيعت أملاك الموريسكيين وأراضيهم بمبالغ كبيرة، ولكن العرش استولى عليها، ووزع معظمها على أصفيائه من الوزراء والنبلاء والأحبار، ولم ينل ديوان التحقيق سوى جزء يسير منها.

ويقدمون مثلا لما أصاب اسبانيا من الخراب من جراء "النفى"، هو مثل مدينة ثيوداد ريال (المدينة الملكية) (١) عاصمة لامنشا، فقد أسس هذه المدينة ألفونسو العالم فى القرن الثالث عشر، ومنح سكانها شروطاً حرة مغرية، شجعت كثيراً من اليهود والمسلمين على النزوح إليها. وفى سنة ١٢٩٠ م كان دافعوا الضرائب فيها من اليهود (٨٨٢٨)، فلما أخرج اليهود منها فى سنة ١٤٩٢، حل محلهم الموريسكيون من غرناطة، ولما أخرج منها هؤلاء مع المدجنين القدماء، خربت المدينة وعفا رخاؤها وانحطت زراعتها، وخربت صناعة النسيج التى أنشأها الموريسكيون فيها، وهبط عدد سكانها فى سنة ١٦٢١ إلى ٥٠٦٠ نفساً ونحو ألف أسرة فقط، فى حين أنها كانت تضم من السكان قبل " النفى "اثنتى عشرة ألف أسرة (٢).

وكان مما ترتب على نفى الموريسكيين أيضاً، ذيوع العملة الفضية الزائفة، وقد تركوا وراءهم منها مقادير عظيمة، وكانت لهم بصنعها براعة خاصة. وأحدث


(١) Ciudad Real
(٢) Lea: The Moriscos ; p. ٣٧٢ - ٣٨٤

<<  <  ج: ص:  >  >>