ذيوع النقد الزائف اضطراباً شديداً فى المعاملات، وحاولت الحكومة جمعه، والمعاقبة على ترويجه بعقوبات رادعة بلغت حد الإعدام، ولكنها لم تفلح فى استئصال الشر، واستمرت هذه الحركة أعواماً طويلة، وعمد الإسبان بدورهم إلى التزييف، وعوقب كثير منهم أمام محاكم التحقيق والمحاكم المدنية، وعانى التجار والمتعاملون كثيراً من الضرر والإرهاق.
ولم تمض أعوام قلائل على نفى الموريسكيين، حتى ظهرت هذه الآثار المخربة كلها فى حياة المجتمع الإسبانى بصورة مزعجة، وهال العرش والحكومة ما أصاب الأمة من ضروب البؤس والخراب، وطلب رئيس الحكومة الدوق دى ليرما فى سنة ١٦١٨، إلى مجلس الدولة، أن ينظر فى هذا الأمر، ويعمل على تحقيقه ومعالجته، وقدم مجلس الدولة تقريره بعد عام، وأشير فيه إلى خراب المدن والقرى، ولكنه لم يشر إلى نفى الموريسكيين، وإلى تكاثر عدد رجال الدين وتزييف العملة، وبغض الشعب للعمل الشريف، بل حاول أن يرجع الشر إلى فداحة الضرائب، وإلى الترف الذى تعيش فيه الطبقات الممتازة، وإسراف الملك فى الإغداق على أصفيائه؛ وكذلك اهتم مجلس النواب (الكورتيس) بالأمر وقدم عنه تقريراً إلى الملك. ومع أن التقارير الحكومية التى وضعت عن هذه المحنة، لم تشر إلى نفى الموريسكيين كعامل أساسى فيما أصاب اسبانيا من الخراب والفقر، فقد كان فى القرارات الملكية ما ينطق بهذه الحقيقة. ففى سنة ١٦٢٢ أصدر الملك فيليب الرابع، قراراً بخفض الضرائب فى بلنسية يشير فيه إلى هجرة السكان، وإلى ما خسرته المدينة من ضروب الدخل، التى كانت تجبى على ما يستهلكه الموريسكيون، وما خسره التجار من انقطاع التعامل معهم.
على أن جهود العرش والحكومة، لم تجد شيئاً فى تخفيف هذه الضائقة، التى طافت بالمجتمع الإسبانى، وشملت سائر الطبقات سواء فى الإنتاج أو الاستهلاك.
ومضى وقت طويل قبل أن تستقر الأحوال نوعاً، وتفيق الزراعة والصناعة والتجارة من الضربة التى أصابتها.
يقول الدكتور لى:"إنه لا يمكن لفريق من السكان، كان يعتمد عليه مدى القرون، فى القيام بقسط عظيم من الإنتاج والتنظيمات المالية فى البلاد، أن يمزق فجأة وينبذ، دون أن يبث ذلك الخراب الواسع، ويثير معتركا من المشاكل يمتد أثرها إلى أجيال مرهقة"