وإخماد نزعتهم الثورية الخطيرة. وحوكم القس أولوخيو الذي أشرنا من قبل إلى دعايته وتحريضه أيام عبد الرحمن، وكان ما يزال معقد الدسائس الدينية، وقضى بإعدامه كما قضى بإعدام صاحبته ومعاونته الفتاة ليوكريسيا (مارس سنة ٨٥٩ م). ورأى النصارى فتنتهم تنهار وركنوا إلى السكينة، وخبت جذوة تعصبهم، التي لبثت أعواماً طويلة تضطرم في قرطبة، ولم يبق من حماستهم سوى الذكرى (١).
ولم يكد ينتهي الأمير محمد من إخضاع طليطلة، حتى دهم الأندلس خطر النورمانيين مرة أخرى. ففي نفس هذا العام (٢٤٥ هـ - ٨٥٩ م) انحدر النورمانيون (وهم الأردمانيون أو المجوس كما تسميهم الرواية الإسلامية) في سفنهم نحو شواطىء جليقية، وعاثوا في شاطىء اسبانيا الغربي. وتقدر الرواية الإسلامية أسطول النورمان في هذه المرة باثنين وستين مركباً؛ وطاردتهم السفن الأندلسية، وكانت دائماً على قدم الأهبة تجوس خلال المياه الغربية بصفة مستمرة استعداداً لرد أولئك الغزاة الخطرين، مذ فاجأوا الأندلس بغاراتهم المخربة أيام عبد الرحمن. ووصلت بعض سفن النورمانيين جنوباً حتى تجاه مدينة باجة، وهنالك استطاعت السفن الأندلسية أن تقضي على طلائع الغزاة، وأن تنتزع سفينتين من سفنهم المحملة بالغنائم والسبي، بيد أنهم انقضوا على الشواطىء الجنوبية، ووصلوا إلى مصب نهر الوادي الكبير، ثم انحدروا جنوباً حتى مياه الجزيرة الخضراء.
وفي تلك الأثناء كانت القوات الأندلسية قد سارت إلى الغرب بقيادة الحاجب عيسى بن أبي الحسن بن أبي عبدة، وهرع الناس إلى جيش الأمير من كل صوب، وتقدم الأسطول بقيادة أميرى البحر حشحاش وابن شكوح، وقد عبىء أحسن تعبئة، وجهز بالأنفاط وفرق الرماة الكثيفة، ورد الغزاة أولا عن إشبيلية بعد عدة معارك برية وبحرية. ثم نشبت بين الفريقين بعد ذلك معركة بحرية شديدة تجاه شاطىء شذونة، وغنم المسلمون في البداية مركبين آخرين، ولكن السفن النورمانية تكاثرت على جناح الأسطول الذي يقوده حشحاش، وغلبت عليه، وقتل أمير البحر المسلم فوق سفينته، تم انحدر النورمانيون صوب الجزيرة الخضراء واقتحموها، وأحرقوا مسجدها الجامع، وعاثوا فيها سفكاً ونهباً، وسارت