للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقف بقواعده وقواته في الشمال الشرقي، سداً منيعاً في وجه النصارى. فلما توفي أعلن ولده لب خضوعه لأردونيو ملك ليون، وتحالف معه ضد المسلمين، وزحف على وادي الحجارة يبغي الاستيلاء عليها، فرده عنها حاكمها ابن سالم. وأصابته خلال المعركة جراح توفي منها وهو في طريق العودة إلى تطيلة، وحل أخوته الثلاثة إسماعيل ومطرِّف وفرُتون مكان أبيهم في حكم القواعد الشمالية. وهنا رأت حكومة قرطبة أن تضاعف أهباتها لرد النصارى عن الولايات الشمالية. ففي صيف سنة ٢٤٨ هـ (٨٦٣ م) سار عبد الرحمن ابن الأمير محمد على رأس حملة كبيرة إلى ألبة والقلاع، ومعه القائد عبد الملك بن العباس القرشي، فجاس خلالها وخرب بسائطها. واشتبك النصارى بقيادة ملكهم أردونيو مع المسلمين في معركة عنيفة، وهزموا على أثرها هزيمة شديدة، وقتل عدة من قوادهم (١). ولم يمض عامان حتى سير محمد ولده عبد الرحمن مرة أخرى، إلى غزو ألبة والقلاع (٢٥١هـ - ٨٦٥ م). ويقول لنا ابن حيان إن الذي كان على رأس هذه الغزوة هو المنذر بن عبد الرحمن، وكانت قيادة الجيش للحاجب عيسى بن الحسن بن أبى عبدة. وعلى أى حال فقد سار المسلمون بحذاء نهر إبره، واستولوا على معظم حصون أكابر النبلاء والسادة في تلك المنطقة. وحاول أردونيو كعادته أن يعترض سبيل المسلمين عند العودة، وقد كمن لهم في موضع يسمى "بفج المركور" على مقربة من نهر إبره، أفرغ جهده في تحصينه، فنشبت بينه وبين المسلمين على ضفاف النهر معركة شديدة، كانت الدائرة فيها على النصارى، فقتل وأسر منهم عدد كيير وغرق الكثير منهم في النهر، ومزقوا كل ممزق (٢). وفي العام التالي سارت حملة أخرى إلى الشمال بقيادة الحكم بن محمد، فعاث في أرض النصارى، واستولى على بعض الحصون. وكانت هذه الغزوات المتوالية قد هدت من قوى النصارى، ومزقت شملهم وخربت بلادهم، فركنوا إلى السكينة، وتوفي ملكهم أردونيو في الوقت نفسه (٨٦٦ م) فخلفه ولده ألفونسو الثالث الذي لقب فيما بعد بألفونسو الكبير.

- ٢ -

كان حرياً، بعد أن هدأت ثائرة النصارى في الشمال، أن تتمتع حكومة قرطبة


(١) ابن حيان في مخطوط القرويين لوحة ٢٦٥ أ.
(٢) البيان المغرب ج ٢ ص ١٠٢. ومخطوط القرويين لوحة ٢٦٥ ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>