للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التى كتبها على لسان السلطان أبى عبد الله إلى سلطان المغرب، وعنوانها "الروض العاطر الأنفاس فى التوسل إلى المولى الإمام سلطان فاس" (١). ومهد لها بعد الديباجة بقصيدته الرائعة التى مطلعها:

مولى الملوك ملوك العرب والعجم ... رعيا لما مثله يرعى من الذمم

بك استجرنا ونعم الجار أنت لمن ... جار الزمان عليه جور منتقم

وقد سبق أن أتينا على ذكر هذه الرسالة المؤثرة الفريدة، فى موضعها،

وأوردنا طرفاً من قصيدة العقيلى، ومن أقواله التى يخاطب بها السلطان أبو عبد الله سلطان فاس مستجيراً به، ملتجئاً إلى حمايته، ومعتذراً إليه عما بدر منه.

وعبر البحر إلى المغرب قبيل سقوط غرناطة وبعده جمهرة من العلماء والأدباء، هم البقية الباقية من مجتمع الأندلس الفكرى (٢). وقد آثروا مغادرة الوطن القديم على التعرض لفقد الحرية، وامتهان الدين والكرامة القومية، ومذلة العبودية، فى ظل حكم يضطرم نحو الأمة المغلوبة بغضاً وتعصباً.

- ٢ -

وكان سقوط غرناطة فى يد اسبانيا النصرانية فى سنة ٨٩٧ هـ (١٤٩٢ م)، نذيراً بانهيار صرح الأمة الأندلسية القومى والاجتماعى، وتبدد تراثها الفكرى والأدبى، وكانت اسبانيا النصرانية ترمى قبل كل شىء، إلى القضاء على خواص الأمة المغلوبة الدينية والفكرية، وعلى سائر الروابط الأدبية التى تربطها بماضيها المجيد؛ وقد نجحت السياسة الإسبانية، يدعمها طغيان الكنيسة وعسف ديوان التحقيق، فى تحقيق هذه الغاية إلى أبعد حد، فلم يمض على سقوط غرناطة نحو خمسين عاماً، حتى استحالت بقية الأمة الأندلسية إلى شعب جديد، يستبدل دينه القديم -الإسلام- بالنصرانية المفروضة، ويتكلم القشتالية، وتغيض البقية الباقية من خصائصه القديمة، شيئاً فشيئاً، تحت ضغط التشريعات والإجراءات التعسفية المرهقة.

وكانت الأمة الأندلسية خلال هذا الإستشهاد المحزن، الذى فُرض عليها، تحاول بكل وسيلة أن تستبقى ما وسعت، من تراثها الفكرى والروحى القديم، فكان الموريكسيون بالرغم من دخولهم فى النصرانية، يتعلقون سراً بدينهم القديم، وكثير منهم يؤدون شعائر الإسلام خفية، وديوان التحقيق من ورائهم يطاردهم


(١) نشر المقرى هذه الرسالة بأكملها فى نفح الطيب ج ١ ص ٦١٧ - ٦٢٨؛ وفى أزهار الرياض ج ١ ص ٧٢ - ١٠٢.
(٢) راجع أزهار الرياض ج ١ ص ٧١

<<  <  ج: ص:  >  >>