للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على أن هذه الآثار الدينية التى حاول الموريسكيون أن يدونوا فيها تعاليم الإسلام وسيرة النبى، تحتوى فى أحيان كثيرة على بعض التعاليم النصرانية، تمتزج بتعاليم الإسلام، وتعرض فيها المثل الإسلامية أحياناً فى صور المثل النصرانية، وقد يصور النبى العربى من بعض النواحى فى صور المسيح. ويرجع هذا المزيج الغريب إلى ظروف العصر، وإلى ضغط المطاردة الدينية التى لبث الموريسكيون تحت روعها، وإلى رهبة محاكم التحقيق التى استمرت فى عسفها ومطارداتها الدموية. بيد أن الآثار الدينية التى خلفها الموريسكيون تنم فى معظمها عن بغضهم للنصرانية ومثلها وتقاليدها، مما يدل على أن تسرب التعاليم النصرانية إلى كتبهم لم يكن سوى نتيجة لظروف العصر التى باعدت قسراً بينهم وبين تعاليم دينهم الحقيقية.

وقد وجدت فى أواخر القرن السادس عشر بدير ساكرومونتى القريب من غرناطة، ألواح من الرصاص عليها كتابات دينية باللاتينية والعربية، تتحدث عن حياة المسيح والرسل ومريم، وعن الإسلام وبعض قواعده، وتمزج فيها التعاليم الإسلامية بالتعاليم المسيحية. وقد رأى بعض الباحثين أن هذه الألواح كتبها الموريسكيون، وفيها يحاول علماؤهم أن يجدوا حلا وسطاً للتوفيق بين الدينين، وأن يصنعوا مزيجاً معقولا من العقيدتين. وقد حملت هذه الألواح فيما بعد إلى رومة، وترجم قسمها اللاتينى، ثم حكم بأنها أوهام وخرافات وضعت لمسخ الدين المسيحى وهدمه (١).

هذا، ويوجد ثمة بعض الكتاب الموريسكيين، الذين استطاعوا أن يغادروا اسبانيا فى أواخر العهد الموريسكى، قبيل النفى بقليل، وأن يكتبوا بالعربية لغة آبائهم وأجدادهم، بعض الآثار التى انتهت إلينا، ولدينا من هؤلاء مثلان بارزان، الأول، هو باسمه الأندلسى، محمد بن عبد الرفيع الحسينى الأندلسى الذى سبقت الإشارة إليه، وقد هاجر قبل النفى إلى تونس، وترك لنا بالعربية كتابه "الأنوار النبوية فى آباء خير البرية"، وهو الذى اقتبسنا منه، ما كتبه فى خاتمته عن أحوال إخوانه الموريسكيين، وعن البواعث التى حملت اسبانيا على نفيهم (٢).


(١) Menéndez y Pelayo: Historia de los Heterodoxes Espanoles. p. ٣٥٤
(٢) وتوجد منه نسخة خطية بخزانة الرباط (المكتبة الكتانية رقم ١٢٣٨)، ومذكور فى نهايته أنه تم تحريره بتونس فى سادس شعبان سنة ١٠٤٤ هـ

<<  <  ج: ص:  >  >>