والثانى هو حسبما يسمى نفسه باسمه الأندلسى، أحمد بن القاسم بن أحمد الفقيه قاسم بن الشيخ الحجرى، ويعرف بالشهاب الحجرى، وكذلك بآفوقاى، وهو موريسكى من أحواز غرناطة، استطاع أن يغادر الأندلس فى سنة ١٠٠٧ هـ (١٥٩٨ م)، أعنى قبل النفى بثلاثة عشر عاما. ويروى لنا الشهاب، قصة فراره من اسبانيا فى خاتمة كتابه "العز والمنافع " الذى نتحدث عنه فيما بعد، على النحو الآتى:
"وأقول اعلم أن أول ما تكلمت به ببلاد الأندلس، كان بالعربية، وكانت النصارى دمَّارهم الله، تحكم فى من يجدوه يقرأ العربية، فتعلمت القراءة الأعجمية للأخذ والاعطى، ثم ألهمنى الله سبحانه أن أخرج من تلك البلاد إلى بلاد المسلمين لما تحققت أن الكفار، كانوا فى الثغور يبحثون عن كل من يرد عليهم لعلهم يجدونه أندلسيا مخفيا ليحكموا فيه لأنهم كانوا منعوهم من الثغور ليلا يهربوا إلى بلاد المسلمين، فجلست سنين، نتعلم الكلام والأخذ فى كتبهم ليحسبوا أنى منهم إذ أمشى إلى بلادهم للخروج منها لبلاد الإسلام. ولما أن جئت إلى البلاد التى هى على حاشية البحر، حيث هو الحرس الشديد، وجلست بينهم فلم يشكوا فى بما رأوا منى من الكلام والحال والكتابة، وجئت من بينهم إلى بلاد المسلمين، وبهذه النية تعلمت وبلغت فى كتبهم. ولكل امرىء ما نوى. ثم رأيت أن بسبب التعليم انه كان بنية القرب من الله ببلاد المسلمين، فتح لى بذلك العلم المنهى عنه ببيان الملوك المسدودة عن كثير من الناس".
وقد اتصل الشهاب الحجرى، عقب وصوله إلى المغرب، بالسلطان أحمد المنصور، ملك المغرب يومئذ، واشتغل مترجماً للبلاط، فى عهد المنصور وولده السلطان مولاى زيدان المتوفى سنة ١٠٣٧ هـ (١٦٢٧ م)، إذ كان يجيد الإسبانية إلى جانب العربية. واستعمله السلطان فوق ذلك للسفارة عنه فى بعض البلاد الأوربية، ورحل الشهاب فى أواخر حياته إلى المشرق، وأدى فريضة الحج.
ولما عاد، نزل بتونس، وقربه أميرها الداى مراد يومئذ. وهنالك توثقت أواصر الصداقة بينه وبين زميل موريسكى مهاجر يسمى باسمه الأندلسى الرئيس ابراهيم ابن أحمد بن غانم بن محمد بن زكريا الأندلسى. وكان الرئيس ابراهيم هذا فيما يبدو من زعماء الجند، وقد ألف بالإسبانية (الأعجمية) كتابا فى فن الجهاد بالمدافع. فقام الشهاب الحجرى بترجمته إلى العربية، وسماه " كتاب العز والرفعة