بقى أن نتحدث عن الفن فى الأندلس، وسيكون حديثنا عن ذلك عاماً. ذلك أن الفن فى مملكة غرناطة آخر دول الإسلام بالأندلس، لم يكن له سوى المرحلة الأخيرة لسير الفن الأندلسى.
وقد نشأ الفن الإسلامى فى البداية نشأة متواضعة. ونريد بالفن هنا معناه الدقيق الخالص. فالتصوير والنحت والنقش والزخرفة والموسيقى والغناء وما إليها، مما ينعت فى عصرنا بالفنون الجميلة، يقع تحت هذا المعنى. بيد أن هنالك معنى أوسع للفن فقد يشمل فنون الهندسة والعمارة وما إليها، ولا بأس من أن نعامله بهذا المعنى الأعم فى الوقت نفسه. وهذه النشأة المتواضعة للفن الإسلامى ترجع بالأخص إلى عوامل دينية. فقد نشأ الإسلام خصيم الوثنية، يضطرم بغضاً لمظاهرها ورسومها، وقد كان النحت والتصوير والنقوش الرمزية، وقت ظهور الإسلام من مظاهر الوثنية ورسومها البارزة، فكان الإسلام يخاصمها ويطاردها. ولم يشأ الإسلام أن يفسح صدره لهذه المظاهر والرسوم كما فعلت النصرانية، حيث اعتنقتها وشملتها برعايتها، وازدانت بها كنائسها وهياكلها العظيمة منذ القرن الأول للميلاد. ثم غدت فيما بعد مثاراً للخلاف الطائفى، واعتبرت رمزاً لعبادة الصور، وثارت حولها تلك المناقشات والخصومات البيزنطية الشهيرة. بيد أن هذه الخصومة التى شهرها الإسلام فى عصره الأول على التماثيل والصور، رموز الوثنية ومظاهرها، لم تلبث أن خفت وطأتها منذ القرن الثانى للهجرة، حينما قامت الإمبراطورية الإسلامية، وأنشئت فى أرجائها الصروح الإسلامية العظيمة، وبدت الخلافة فى عظمتها الدنيوية، وأخذت بقسطها من الترف والبهاء والبذخ. عندئذ عنى الخلفاء بالفنون وازدانت قصورهم ومعاهدهم وحدائقهم، بمظاهر الفن الرفيع، واعتمد على الاقتباس بادىء بدء من تراث الفنون الفارسية واليونانية والرومانية، والبيزنطية بنوع خاص، واقتبس عرب الأندلس أيضاً من تراث الفن القوطى. ولم يمض بعيد حتى امتزج الاقتباس بالابتكار، وبدأ الفن الإسلامى فى مظاهره المستقلة. وبلغ منذ القرن الثالث للهجرة، سواء فى بغداد أو قرطبة مستوى رفيعاً من الروعة والبهاء. وبرع المسلمون فى صنع الزخارف والنقوش والرسوم والصور الدقيقة، وانتهوا فى الموسيقى إلى ذروة الافتنان والبراعة، وازدهر الفن الإسلامى فى المشرق والمغرب أيما ازدهار