للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبلغ الفن الإسلامى فى الأندلس أوج ازدهاره فى القرن الرابع الهجرى. ويجب أن نلاحظ أن مسلمى الأندلس كانوا أسبق الأمم الإسلامية إلى صنع التماثيل والصور وقد زينوا قصورهم ومعاهدهم منذ القرن الثالث، بالتماثيل والصور والنقوش، التى تمثل الحيوان والنبات والطير. أما التماثيل والصور البشرية، فكانت تلقى نوعاً من التحريم العام. وفى عصر عبد الرحمن الناصر (٣٠٠ - ٣٥٠ هـ) خطا الفن الأندلسي خطوة أخرى، فصنعت التماثيل والصور البشرية، وزينت بها القصور والمعاهد الخلافية، وكما أن عصر الناصر كان أعظم عصور الدولة الإسلامية فى الأندلس، فكذلك كان أعظم عصور الفن الأندلسى.

وقد كان عصر قرطبة الكبير حتى عهد الناصر، موضع العناية والرعاية من جميع أمراء بنى أمية، وكان مجمع البهاء والرواء والفن. ولكن الناصر آثر أن ينشىء له ضاحية ملوكية جديدة، تكون آية فى الفخامة والبهاء، فأنشأ مدينة الزهراء وقصورها ومعاهدها الباهرة، وأفاض عليها من ألوان البذخ والبهاء، وبدائع الفن والزخرف، آيات رائعات. وكانت نقوش الزهراء ورسومها وتماثيلها، أبدع ما أخرج الفن الإسلامى فى الأندلس. ولا يتسع المقام للإفاضة فى وصف عظمة الزهراء، وروائعها الفنية، فنحيل القارىء إلى ما أورده صاحب نفح الطيب فى هذا الشأن من مختلف الروايات والفصول (١). ولكنا نخص بالذكر هنا مثلين رائعين من آيات الفن الباهر، التى زينت بها قصور الزهراء، فمن ذلك أسد عظيم الصورة بديع الصنعة شديد الروعة، لم يشاهد أبهى منه فيما صنع الملوك الأوائل، مطلى بالذهب، وعيناه جوهرتان لهما ضوء ساطع، قد أقيم على بحيرة قصر الناعورة، يجوز الماء إلى مؤخره من قناة تحمل إليه الماء العذب، من جبل قرطبة على حنايا معقودة، فيدفع الماء إلى البحيرة فى منظر رائع (٢). ومن ذلك الحوض البديع الذى جلبه الناصر لاستحمامه، وأقيم عليه اثنا عشر تمثالا من الذهب الأحمر، مرصعة بالدر النفيس مما صنع بدار الصناعة بقرطبة: أسد إلى جانبه غزال ثم تمساح، يقابلها ثعبان وعقاب وفيل، وفى الجانبين حمامة وشاهين وطاووس ودجاجة وديك وحدأة ونسر، كلها من ذهب مرصع بالجوهر النفيس، وتخرج الماء من أفواهها (٣).


(١) نفح الطيب ج ١ ص ٢٤٥ و ٢٤٦ و ٢٦٤ - ٢٦٦؛ وابن خلدون ج ٤ ص ١٤٤؛
وراجع Murphy: Mohamedan Empire in Spain, p. ١٦٧-١٧٤
(٢) نفح الطيب ج ١ ص ٢٦٤.
(٣) نفح الطيب ج ١ ص ٢٦٤

<<  <  ج: ص:  >  >>