للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهنا أيضاً أعنى فى عصر الناصر، نرى لأول مرة فيما يظهر، تماثيل الإنسان وصوره تمثل فى الفن الأندلسى، إلى جانب تماثيل الحيوان وصوره. فيروى أن الناصر أمر أن تنقش صورة جاريته وحظيته "الزهراء" على باب قصر الزهراء، وهذه الجارية فيما يروى هى التى حملته على بناء الزهراء وتسميتها باسمها (١). وزينت أبهاء الزهراء بتماثيل وصور بشرية (٢). فكانت ظاهرة فنية جديدة.

يقول العلامة الأثرى الإسبانى الأستاذ مورينو مشيراً إلى عصر عبد الرحمن الناصر: "جاء هذا الملك، وقد دخل الشرق الإسلامى فى دور الانحطاط، ودخل العهد البيزنطى بالعكس فى أسطع مراحله، وعمل الخليفة الإسبانى، وهو حليف القيصر اليونانى على إحياء الحضارة، فعادت بفضله تزدهر فى جانبى البحر المتوسط، وتولت قرطبة بقوتها الروحية زعامة العالم، ووصلت اسبانيا المسلمة فى عهد الناصر إلى ذروة التماسك والتناسق الاجتماعى والرخاء؛ وآل ذلك إلى ولده الحكم، فاستعمله فى أعمال الحضارة، وهكذا تحقق قيام بلاط جديد فى الزهراء الرائعة التى بدأت أطلالها الآن تبدو للعيان، وبعد ذلك زيد المسجد الجامع، وأسبغت عليه آيات الفخامة والروعة.

على أن الفن القرطبى يصل إلى ذروته فلا طراز العقود المتشابكة المتقاطعة فى تشكيلات هندسية، وهو ما يخدم نفس الأغراض التى تقوم بها العقود القوطية، متقدمة عليها قرنين، وخاضعة لمبدأ أساسى زخرفى، ومنسقة مع طرازها القرطبى" (٣).

وبلغ الفن الأندلسى فى عصر الناصر وابنه الحكم المستنصر، ذروة القوة والبهاء، ومازالت اسبانيا النصرانية تحتفظ ببعض تحف فنية نادرة من تراث ذلك العصر، نذكر منها وعل الزهراء الشهير، وهو تمثال وعل من البرونز زين جسمه بالنقوش والزخارف العربية البديعة، وتاج عمود من المرمر به زخارف دقيقة مدهشة، وقد نقش عليه اسم الحكم المستنصر بالله واسم حاجبه، وقد وجد كلاهما فى حفائر مدينة الزهراء، وكلاهما يحفظ اليوم بمتحف قرطبة، ومنها صندوق من العاج البديع نقشت عليه صور فرسان وأشخاص ووعول آية فى الدقة، وذكر عليه اسم


(١) نفح الطيب ج ١ ص ٢٤٥.
(٢) نفح الطيب ج ١ ص ٢٦٥ و Murphy: ibid, p. ٢٩٢
(٣) M. Gomez Morena: "La Civilizacion arabe y sus Monumentos en
Espana" Art. en "Arquitectura" (Nov. ١٩١٩)

<<  <  ج: ص:  >  >>