للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الزخارف، يقوم على رسوم الشجر والأوراق والأغصان والأشكال المتماثلة المبتكرة، دون الصور التى تمثل الإنسان والحيوان؛ ذلك لأنها كانت تقوم على احترام التقاليد الدينية القديمة، واشتهرت هذه المدرسة فى العصور الوسطى، وكان لها أثر عميق فى تطور الفن الأوربى، وما زالت تعرف بالنماذج العربية (الأرابسك) (١).

وسطع الفن الأندلسى أيام الطوائف مدى حين، ونثر ملوك الطوائف ولاسيما بنو عباد فى إشبيلية، وبنو ذى النون فى طليطلة، حولهم آيات من البذخ والترف والبهاء، وأغدقوا على قصورهم ومعاهدهم بدائع الفن وروائعه، مما أفاض فى وصفه المؤرخون والكتاب والشعراء. وكان بنو عباد فى إشبيلية أعظم حماة للفنون والآداب. وكان قصر المأمون بن ذى النون ملك طليطلة آية رائعة من آيات الفن والبهاء، وكان روشنه الشهير الذى بنى وسط بحيرة القصر، من الزجاج الملون المزين بالنقوش الذهبية، مستقى خصباً لخيال الشعراء، وكانت حافة البحيرة مزدانة بصفوف من تماثيل الأسود التى تقذف الماء من أفواهها، وهى لا تزال تقذف الماء ولا تفتر، وتنظم لآلىء الحباب بعد ما نثر (٢). وأنشأ المقتدر بالله أبو جعفر أحمد بن هود أمير سرقسطة فى أواخر القرن الحادى عشر الميلادى قصره الرائع المسمى "بقصر السرور"، وكان أروع ما فيه بهوه العظيم الذى زينت جدرانه بالنقوش والتحف الذهبية البديعة والذى كان يسمى لذلك "بمجلس الذهب". ولما سقطت سرقسطة فى يد النصارى شوهت معالم هذا القصر وأدخلت عليه تعديلات وتغييرات عديدة قضت على محاسنه وبدائعه العربية. ومازال يقوم على موقعه السابق الصرح الذى يسمى اليوم بقصر الجعفرية Palacio Aljarafia. وقد اشتهر المقتدر بن هود، فى التاريخ وفى الشعر، بقصره الفخم ومجلسه الرائع، ذى النقوش والتحف الذهبية البديعة وهو القائل فى وصفه (٣):

قصر السرور ومجلس الذهب ... بكما بلغت نهاية الطرب

لو لم يحز ملكى خلافكما ... لكان لدى كفاية الأرب


(١) Murphy: ibid , p. ٢٩١ - Aschbach: Geschichte der Omajaden in Spanien ; B. II. p. ٣٥٢.
(٢) نفح الطيب ج ١ ص ٢٤٧ و ٢٨٢؛ وقلائد العقيان للفتح بن خاقان ص ١٩٤ و ١٩٥.
(٣) نفح الطيب ج ١ ص ٢٥٠. وراجع كتابى " دول الطوائف " ص ٢٧٢

<<  <  ج: ص:  >  >>