للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الحصون لمدافعتهم، ولكن الفتنة لم تقمع، وظلت سحب الخروج والعصيان قائمة، وعمت الفوضى كورة ريه بأسرها.

في هذا الأفق المضطرم ظهر ابن حفصون؛ وكانت حوادث ريه مقدمة هذه الفتنة الهائلة التي تزعمها في جنوبي الأندلس، والتي يصفها الرازي بأنها " طمت على جميع فتن الأندلس، بعمومها وامتداد أيامها، ودفع أهل الشرور منهم نحوها " (١). وأخذ ابن حفصون ينتهز كل فرصة للإغارة على أطراف إقليم ريه ويوسعها تخريباً وسبياً ونهباً، ثم يعتصم بأوكاره في جبل ببشتر، فلما اشتد عيثه وعدوانه، سار إليه عامل ريه، عامر بن عامر في بعض قواته، فهزمه ابن حفصون وقوي بذلك أمره، وهرع إلى لوائه كثير من أهل الشر والعصاة. وعزل الأمير عامل ريه المهزوم، وبعث إليها بعامل جديد هو عبد العزيز بن عباس، فسار إلى قتال ابن حفصون للمرة الثانية، فامتنع الثائر بقلاعه، ووقعت الهدنة بين الفريقين (٢). وعندئذ سير محمد وزيره هاشم بن عبد العزيز إلى كورة ريه في قوة كبيرة، فشدد الحصار على ابن حفصون، وجد في أثر العصاة والخوارج، وأسر الكثير منهم، وما زال حتى أرغم ابن حفصون على التسليم مع سائر عصابته، وحملهم جميعاً إلى قرطبة. فعفا محمد عن الثائر وضمه إلى جيشه، لما آنسه من براعته وقوة مراسه. ولما سار المنذر إلى الثغر الأعلى سنة ٢٧٠ هـ (٨٨٣ م) لقتال محمد بن لب، كان ابن حفصون من ضباط جيشه. بيد أنه لم يكن راضيا كل الرضى عن منصبه، وكانت نفسه الوثابة تنزع دائما إلى الخروج والعمل الحر، فلم يلبث أن فر من جيش الأمير مع نفر من صحبه، ولم يلبث أن عاد إلى معاقله في ببشتر، واستأنف ثورته، ومن حوله جمع كبير من الخوارج والبغاة (٨٨٤ م).

ولبث ابن حفصون مدى عامين يعيث في هذه المنطقة فساداً، ويبث من حوله الذعر والروع. وفي صيف سنة ٢٧٣ هـ (٨٨٦ م)، خرج المنذر إلى كورة ريه لقتال ابن حفصون، وبدأ الزحف على مدينة الحامّة في شمال شرقي مالقة، وفيها الثائر ابن حمدون حليف ابن حفصون، فسارع ابن حفصون إلى إنجاد حليفه، واجتمع الثائران بمدينة الحامة لمقاتلة جند الأمير، فحاصر المنذر الحامة مدى


(١) ابن حيان عن عيسى بن أحمد الرازي. مخطوط القرويين لوحة ٢٨٣ أوب.
(٢) البيان المغرب ج ٢ ص ١٠٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>