للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شهرين، ولما أشرفت مؤن المدينة المحصورة على النفاد، خرج ابن حفصون وحليفه في جندهما، واشتبكا مع جند الأمير في معركة عنيفة، هزم فيها الثوار وجرح ابن حفصون، وارتد مع أصحابه ثانية إلى الحامة واستعصم بها. وبينما المنذر مقيم على حصار الحامة، إذ جاءته الأنباء من قرطبة بوفاة أبيه الأمير محمد.

وكانت وفاته في ٢٩ صفر سنة ٢٧٣ هـ (أوائل أغسطس سنة ٨٨٦ م) فارتد لفوره إلى قرطبة، تاركاً الحامّة لمصيرها، وتنفس ابن حفصون الصعداء، وانتهز الفرصة السانحة للإغارة على معظم الحصون الواقعة في تلك المنطقة، ولم يمض سوى قليل حتى استطاع أن يبسط سلطانه على ريُّه ورندة وإستجّة وغيرها.

- ٣ -

كان الأمير محمد بن عبد الرحمن بن الحكم من خيرة أمراء بني أمية وأوفرهم ذكاء وفطنة (١). وقال الرازي: " ولمحمد في سلطانه الآثار الجميلة، والآيات الجزيلة، والفتوح العظيمة، والعناية بمصالح المسلمين، والتهمم بثغورهم، والضبط لأطرافهم، والتوجيه لمصالحهم " (٢)، وكان يرجو محمد أن يجري على سنن أبيه من الإصلاح والإنشاء، ولكن الحوادث سارت على غير ما يشتهي، وسرت الفتنة إلى سائر أنحاء الأندلس، واضطر أن ينفق حكمه الطويل في غزوات متعاقبة وكفاح مستمر. وكان عليه أن يصون عرش بني أمية، وأن يحمي سلطان الدولة الإسلامية في الأندلس من الانهيار. وكانت مهمة شاقة، ولكنه أبدى في الاضطلاع بها جلداً وبراعة، فكانت الصوائف لغزو أرض النصارى، والحملات التأديبية لقمع الثوار، تتوالى دون كلل، وذلك بالرغم مما كانت تنتهي إليه في معظم الأحيان من النتائج السلبية. وكان الأمير محمد يعشق الجهاد والكفاح، ويقود الجيش بنفسه كلما سنحت الفرص. وكان ولده المنذر ساعده الأيمن في تلك المهمة الخطيرة.

واهتم محمد بأمر الجيش والأسطول، وكان اهتمامه بتقوية الجيش ضرورة، أملتها الظروف العصيبة التي كانت تجوزها المملكة يومئذ. وتلقى الأرقام التي يقدمها إلينا ابن حيان نقلا عن معاوية بن هشام، عن عدد الفرسان الذين يحشدون في مختلف الكور والمدن لغزوات الصوائف، ضوءاً على مدى قوة الجيش الأندلسي


(١) ابن الأثير ج ٧ ص ١٤١.
(٢) مخطوط القرويين لوحة ٢٢٢ أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>