للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأقبلوا على تعضيده وتأييده (١). وأما عن العشور فقد أبدى محمد تشدداً في اقتضائها وقد نصح له وزيره عبد الرحمن بن غانم صاحب المدينة، بأن يسقط العشور متى عدمت الغلات، لأن العشور إنما تفرض على الغلات إذا وهبها الله، فإذا لم يزرع بذر ولم يستغل زرع وجب إسقاطها، فلم يستمع إليه محمد في البداية وعزله، وعين مكانه حمدون بن بسيل، وكان فظاً ظلوماً، فاشتط في تحصيل العشور، حتى ضج الناس بالدعاء عليه، ووصل صريخهم إلى الأمير، وتوالت في نفس الوقت أعوام الجدب والقحط، فاضطر الأمير أن يسقط عن الناس جملا من العشور، حتى يتنفس مخنقهم، ويستطيعوا مواجهة أعباء الحياة، ومواصلة نشاطهم العمراني، وأعلن الناس عندئذ بشكره ومدحه الشعراء (٢). وكان الأمير محمد بارعاً في الشئون المالية، دقيقاً في مراجعة الدخل والخرج، وقد ساعده ذلك على ضبط شئون الخزانة العامة (٣). وفي عهده أصيبت الأندلس بالقحط مرتين، الأولى بين سنتي ٢٥١ و٢٥٥ هـ، والثانية في سنة ٢٦٠ هـ، وكان قحطاً شديداً استمر بضعة أعوام، وكثر بسببه الغلاء والموت. ولكن الأندلس استطاعت أن تصمد للمحنة، وأن تتغلب عليها.

وفي عهده سار بلاط قرطبة على سنن الاعتدال، ومجانبة البذخ الذي ساد في أيام أبيه عبد الرحمن، وضعف نفوذ الجواري والصقالبة في القصر، ومع ذلك فقد استمر النظام الإداري الذي كان قائماً في عهد عبد الرحمن بتفاصيله تحت إشراف الأمير وتولي زمام الأمور نفس الرجال الذين تولوها من قبل، واجتمعت السلطات في أيدي أسرتي بني شُهيد وبني أبي عَبْدة، أعظم الأسر القرطبية يومئذ، وتولى الحجابة لمحمد في البداية عيسى بن شهيد حاجب أبيه من قبل. وقد أشرنا من قبل إلى هذا الوزير النابه غير مرة. ثم خلفه في الحجابة عيسى بن الحسن ابن أبي عبدة، فكان من أرجح الوزراء عقلا وإصابة، وكان طوال خدمته هدفا لمنافسة هاشم بن عبد العزيز ودسائسه، وقد خلفه هاشم بالفعل في الحجابة، ولبث يضطلع بها أعواماً طويلة حتى وفاة الأمير محمد، وكان هاشم بن عبد العزيز ينتمي إلى أسرة من المولدين، وكان من أعظم رجالات الحرب والسياسة في


(١) البيان المغرب ج ٢ ص ١١١ و١١٢، وأخبار مجموعة ص ١٤١ و١٤٢.
(٢) ابن حيان - مخطوط القرويين لوحة ٢٣٠ أو٢٥٥.
(٣) البيان المغرب ج ٢ ص ١١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>