للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إقراره على استقلاله بتلك القاعدة المنيعة؛ وهكذا لبث ابن مروان سيد بطليوس بلا منازع. فحصنها وجملها؛ وبسط حكمه على الأنحاء المجاورة، وكان من حلفائه في تلك المنطقة حسبما قدمنا يحيى بن يحيى بن بكر الثائر بمدينة شنتمرية الغرب (١) بولاية أكشونبة، وعبد الملك بن أبي الجواد الثائر بمدينة باجة Beja. وكان يحيى زعيماً مقداماً، فحصن شنتمرية، وأقام بها حكومة منظمة، وضبط الأمور وقمع أهل الشر (٢). وفي سنة ٢٧٦ هـ (٨٨٩ م) نكث ابن مروان بعهده، وعاون كريب بن خلدون الثائر باشبيلية، على مهاجمة المدينة ونهب أحوازها. ولم يمض قليل على ذلك حتى ثار البربر في الثغر الأدنى (٣) بزعامة محمد بن تاكيت المصمودي وزحف على ماردة في شرقي بطليوس، واستولى عليها، فسارت إليه الجند من قرطبة، فتقدم لإنجاده ابن مروان، ولبث الحصار مدة ارتحلت بعدها جند الأمير خائبة. وكان بماردة جموع من العرب والبربر من قبائل كتامة ومصمودة، فسعى ابن تاكيت في إخراج العرب وكتامة منها، واستقل بها مع شيعته. ولم يلبث أن ثار الخلاف بينه وبين جاره ابن مروان، ونشبت بينهما الحرب، فهزمه ابن مروان وظهر عليه. ثم توفي عبد الرحمن بن مروان بعد قليل، فخلفه في حكم بطليوس ابنه مروان، واشتد في مطاردة البربر، ولكن ولايته لم تدم سوى شهرين، فخلفه على بطليوس حفيد لابن مروان يدعى عبد الله، واستمر بنو مروان سادة بطليوس حتى انتزعها منهم عبد الرحمن الناصر سنة ٣١٧ هـ (٩٢٩ م)، وقضى على دولتهم (٤).

وكانت طليطلة قاعدة الثغر الأوسط، قد سقطت في يد بني ذى النون أيام المنذر. وكان بنو ذى النون من أكابر زعماء البربر في تلك المنطقة، وينتمون إلى قبيلة هوارة، وكان زعيمهم موسى بن ذى النون قد ظهر في عهد الأمير محمد،


(١) Santa Maria de Algarve، وهذا بخلاف شنتمرية الشرق أو شنتمرية ابن رزين التي اشتهرت أيام الطوانف وتعرف في الإسبانية باسم Albarracin.
(٢) البيان المغرب ج ٢ ص ١٤١.
(٣) هو في جغرافية الأندلس عبارة عن المنطقة الغربية الواقعة، بين نهر دويرة ونهر التاجه ومن مدنها قورية وقلمرية وشنترين وغيرها، وأما الثغر الأعلى فهو عبارة عن سرقسطة وأعمالها من المدن الشمالية المتاخمة لحدود نافار وليون وقطلونية. ويشمل الثغر الأوسط طليطلة وأعمالها.
(٤) البيان المغرب ج ٢ ص ١٤٠، وابن خلدون ج ٤ ص ١٣٣ و١٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>