للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(٨٩١ م) وهو في السابعة والعشرين من عمره، فتولى أبوه عبد الله كفالة ولده الرضيع عبد الرحمن، وكان قد مضى على مولده ثلاثة أسابيع فقط، وأسكنه معه في قصره، ولما بلغ أشده وظهرت نجابته، عنى بتعليمه وتربيته، وقربه إليه وأولاه ثقته ثم جعله كاتب سره (١). وقد شاء القدر أن يخلف الطفل اليتيم فيما بعد جده على العرش، وأن يغدو أعظم خلفاء الأندلس.

ولم تذهب جريمة المطرف دون عقاب. ذلك أنه لم تمض بضعة أعوام حتى ساءت العلائق بين مطرف وبين أبيه، ولما سار المطرف على رأس الصائفة إلى إشبيلية في سنة ٢٨٢ هـ (٨٩٥ م)، ومعه الوزير عبد الملك بن أمية، وثب المطرف بالوزير لعداوة بينهما وقتله، وأثمر سعي خصوم المطرف هذه المرة، وصُور لأبيه كما صور أخوه من قبل، في صورة الخارج عليه المتربص به، فقضى بإعدامه، وقطع رأسه وبذا كفر عن دم أخيه ودم الوزير (٢).

واستراب عبد الله أيضاً بإخوته، وقد أشرنا فيما تقدم إلى ما قيل من أن أخاه المنذر توفي قتيلا، وأنه هو الذي أوحى إلى طبيبه بتدبير قتله. وبطش عبد الله بأخوين آخرين له هما هشام والقاسم ابنا محمد بن عبد الرحمن. فأما هشام فاتهم بالتآمر على أخيه، فقبض عليه وقضى بإعدامه (٢٨٤ هـ). وأما القاسم فقبض عليه وزج إلى السجن، ثم دس عليه عبد الله من قتله بالسم. واعتقل كذلك عدة من أمراء بني أمية وأكابر رجال الدولة، وقتل بعضهم. وقد أسبغت هذه الوقائع الدموية سحابة قاتمة على خلال الأمير عبد الله وسيرته، ولم ينجح في محوها ورعه وزهده وحبه للخير. وقد نعى عليه الفيلسوف ابن حزم هذا الإسراف في البطش في أقوال استشهد بها ابن حيان وغيره من مؤرخي الأندلس، وجاء فيها أن الأمير عبد الله " كان قتالا تهون عليه الدماء، مع الذي كان يظهره من عفته، فإنه احتال على أخيه المنذر على إيثاره إياه، وأوطأ عليه حجامه بأن سم له المبضع الذي فصده به وهو نازل بعسكره على ابن حفصون، فكانت فيه منيته وتطوق دمه.

ثم قتل ولديه معاً بالسيف واحداً بعد آخر، محمداً والد الخليفة الناصر لدين الله،


(١) المقتبس ص ٤٠.
(٢) ابن خلدون ج ٤ ص ١٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>