للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنه التقى بالمسلمين عند سفح جبل أريفر من جبال سيرّا مورينا (جبل الشارّات) وهزمهم وقتل منهم عدة آلاف وهي موقعة لم تشر إليها الروايات الإسلامية (١).

وكانت ريح الثورة تهب يومئذ على معظم جنبات الأندلس، وتشغل حكومة قرطبة بمقارعة بني قسي في الثغر الأعلى. وتحالف محمد بن لب زعيم الأسرة الثائرة مع ألفونسو الثالث، ليستعين به على قتال المسلمين، ولكن المسلمين نجحوا في انتزاع سرقسطة معقل ابن لب، وزحفوا على ألبة لمقاتلة النصارى، وعندئذ آثر ألفونسو أن يعقد السلم مع المسلمين، وعقدت بالفعل بينه وبين الأمير محمد بن عبد الرحمن حسبما فصلنا من قبل، معاهدة صلح استمرت ردحاً طويلاً.

ذلك أن ملك النصارى رأى بالرغم مما كان يشغل حكومة قرطبة من ثورات متعاقبة، أن يقنع بتأمين حدوده وأراضيه من خطر الغزو الإسلامي، وأن يتفرغ لشئون مملكته الداخلية، وكانت هذه الشئون تستغرق جل اهتمامه، وكانت الأزمات والقلاقل السياسية والاجتماعية تتعاقب، لأسباب وبواعث تتعلق بنظم المجتمع النصراني وظروفه. وقد وقعت في عهد ألفونسو عدة ثورات محلية ترجع بالأخص إلى المبالغة في فرض الضرائب على الضياع، وثار أصحاب الضياع لهذا الجور غير مرة في أنحاء مختلفة، وطالبوا بالحد من تغريمهم على هذا النحو لصالح الكنيسة ورجال الدين، ولكن هذه الثورات الإقطاعية أخمدت تباعا، وصودرت معظم الضياع لصالح الكنيسة، واستمر العرش في الإغداق على الأديار ورجال الدين.

ومما تجدر ملاحظته أن الملوكية الإسبانية، كانت تدين منذ نشأتها بمنتهي الولاء والطاعة للكنيسة والكرسي الرسولي. وكانت البابوية تتمتع في توجيهها بأعظم نفوذ. وكان العرش الإسباني يشعر دائماً بأنه يستمد سلطانه من الكنيسة، ويرجع إلى البابوية في كل أمر يمس شئون السلطة الروحية. ومن ذلك أن ألفونسو الثالث كتب إلى البابا يوحنا الثامن يستأذنه في عقد المؤتمر الكهنوتي وتعيين الأساقفة، فأذن له، وطلب إليه أن يبعث بفرقة من الفرسان للمعاونة في محاربة المسلمين في صقلية وجنوب إيطاليا. وعقد المؤتمر الكهنوتي بالفعل في أوبييدو سنة ٨٧١ م ونظمت فيه شئون الكنيسة الإسبانية. وكان ألفونسو الثالث ملكاً تقياً ورعاً، وكانت


(١) Aschbach: ibid , B.I.s. ٣٠٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>