للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتشيد الرواية بخلال ألفونسو الثالث، وتصفه بالحزم والشجاعة، وتقول لنا إنه كان خصماً عنيداً للمسلمين شديد الوطأة في محاربتهم، ولكنه حينما عقد السلم مع حكومة قرطبة احترم عهده والتزم الوفاء به. وكان ألفونسو في الوقت نفسه نصيراً للآداب والعلوم يجزل صلاته لأهل العلم، وكان من سعة أفقه أن عهد بتربية ولده أردونيو إلى بعض العلماء المسلمين (١)، وكان حسبما أسلفنا تقياً ورعاً يخص الكنيسة بأوفر رعايته وعطائه، وقد أنشأ كثيراً من الكنائس والأديار، وابتنى كنيسة شنت ياقب الشهيرة. وقد رأينا كيف حمله إسرافه في الإغداق على الكنيسة ورجال الدين، على المبالغة في فرض الضرائب على الضياع، فكان ذلك من عوامل الإنتقاض والثورة على سياسته، وبذل ألفونسو جهوداً كبيرة في تحصين مدن الحدود، وفي مقدمتها برغش وسمورة وسيمانقة (شنت منكش)، وزودها بالسكان والجند، لكي تغدو سداً منيعاً ضد غزوات المسلمين.

ومنذ وفاة ألفونسو تسمى المملكة الإسبانية النصرانية مملكة ليون، بعد أن كانت تسمى مملكة أشتوريش وجلِّيقية؛ وقد نقل ابنه وخلفه غرسية قاعدة المملكة من أوبييدو إلى مدينة ليون لتوسط موقعها بين جلِّيقية وأشتوريش؛ وتسبغ الرواية النصرانية على ألفونسو الثالث لقب (ألفونسو الكبير) El magno، لما امتازت به المملكة النصرانية في عهده من القوة والنهوض والاتساع، وماتمتعت به خلال عهده الطويل من السلم والرخاء.

- ٤ -

إلى جانب مملكة أشتوريش أو مملكة ليون الإسبانية الشمالية، كانت تقوم في غربي البرنيه في بلاد البشكنس الجبلية، إمارة أو مملكة نصرانية أخرى هي مملكة نافار (نبرّة). ويحيط الغموض بأصل هذه المملكة الصغيرة ونشأتها. وكل ما نعرفه من ذلك هو أن قبائل البشكنس، كانت حتى أواخر القرن الثامن الميلادي تخضع لبعض السادة الإقطاعيين التابعين لمملكة الفرنج، وربما حكمها دوقات كانتابريا أو أمراء أشتوريش. وكانت قاعدتهم مدينة بنبلونة الحصينة، التي حكمها المسلمون ردحاً من الزمن، ثم فقدوها في أواخر القرن الثامن أيام غزوات الفرنج لاسبانيا الشمالية. وكانت بلاد البشكنس أو نافار منذ الفتح ميداناً للغزوات


(١) Aschbach: ibid , B.I.s. ٣٥٢

<<  <  ج: ص:  >  >>