للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واتجه عبد الرحمن بعد ذلك إلى حصن شمنتان، الواقع على مقربة من بياسة، وبه عبد الله بن الشالية، فاستسلم الثائر دون مقاومة، وطلب الأمان، ونزل عن جميع حصونه ومعاقله. واستولى عبد الرحمن بعد ذلك على حصن منتيشة من يد صاحبه ابن عطاف. وافتتح سائر الحصون التي كانت بيد ابن حفصون من كورة جيان، وطهرها من آثار الخروج والعصيان. وقدم إليه سائر الزعماء الخوارج طاعتهم، فتقبلها وعفا عنهم.

وسار عبد الرحمن بعد ذلك جنوبا إلى كورة ريُّه، فاحتل منها سائر الحصون التي تدين بالطاعة لابن حفصون، واقتحم أمنع هذه الحصون، وهو حصن شبليس بعد قتال عنيف، وقتل من كان به من أصحاب الثائر، وفر أمامه جعفر ابن حفصون ليلا ولحق بأبيه، ثم استولى عبد الرحمن على حصن إشتيبن على مقربة من إلبيرة. واتجه بعد ذلك إلى وادي آش فاحتل حصونها، ثم توغل في شعب جبل الثلج (سيرَّا نفادا) وافتتح ما هنالك من المعاقل والحصون. وحاول ابن حفصون أن يزحف على غرناطة، فخرج إليه أهل إلبيرة ومعهم مدد من جيش عبد الرحمن فردوه على عقبه. وما زال عبد الرحمن يجول في تلك الأنحاء يخضع حصونها وينتسف أراضيها، حتى قضى على كل عناصر الثورة والخروج فيها، وبلغ ما استولى عليه في تلك الغزوة من الحصون زهاء سبعين حصناً من أمهات المعاقل الثائرة، ثم ارتد عائداً إلى قرطبة فوصلها في يوم عيد الأضحى بعد أن قضى في غزوته زهاء ثلاثة أشهر (١).

على أن هذه الجولة الأولى لم تكن إلا بداية الصراع المرير، الذي كان على عبد الرحمن أن يضطلع به. ذلك أنه لم تمض بضعة أشهر أخرى حتى عادت عناصر الثورة تجتمع، وتتحفز، وعاد ابن حفصون ينظم خططه وقواته. وكانت إشبيلية في مقدمة القواعد التي رفعت لواء الثورة، وقام بها منذ أيام الأمير عبد الله، بنو حجاج حسبما تقدم، وأنشأوا بها إمارة مستقلة. وقد كانوا بالرغم من انحدارهم من أصل عربي ينتمون إلى المولدين من ناحية الأم، ويشاطرونهم شعور الحفيظة ضد حكومة قرطبة. وكان عبد الرحمن يتوق إلى تحطيم سلطان أولئك المولدين ومن يمالئهم، وقد أبدوا دائماً أنهم لا يدينون بالولاء للحكومة الإسلامية التي


(١) وردت تفاصيل هذه الغزوة في الأوراق المخطوطة الخاصة بعهد الناصر ص ٣٥ - ٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>