للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعقد لابن حفصون على ذلك كتابه المشهور، الذي خط في أسفله بيده الأسطر الآتية:

" يا لله الذي لا إله إلا هو الطالب الغالب، وجميع إيمان البيعة لازمتي من العهود المشددة، والأيمان المؤكدة، والمواثيق المغلظة، لا نقضت شيئاً مما جمعه هذا الكتاب تبديله، ولا نقصان شيىء منه، ولارضيت ذلك في سر ولا جهر، وأن كل ما فيه من الشروط والعهود والمواثيق لازمتي، والله شهيد علينا، وخططنا هذه الأحرف بيدنا، وأشهدنا الله عز وجل على أنفسنا، وكفانا بالله شهيداً، ما وفى عمر بن حفصون بما نص في هذا العهد وصحح فيه إن شاء الله، والله المستعان ".

ويقول لنا الرازي الذي يورد لنا نص هذه الوثيقة، إن الحصون التي دخلت في أمان عمر بن حفصون بمقتضى هذا الصلح، وسميت في كتاب العهد، مائة واثنين وستين حصناً. واغتبط عمر بن حفصون بعقد هذا العهد مع الناصر أيما غبطة، وبذل جهده في المحافظة على شروطه وأوضاعه، وسر الناصر من جانبه بما أبداه ابن حفصون في ذلك من دقة وإخلاص وقدم ابن حفصون بهذه المناسبة إلى الناصر هدية فخمة، فتقبلها الناصر، وحسن موقعها لديه، وكافأ ابن حفصون عنها بأضعافها؛ وعظم سرور ابن حفصون بها، واستحكمت طاعته طول حياته. وكان هذا من أعظم العوامل في تهدئة اضطرام الثورة، وجنوحها إلى التبدد وإلانهيار (١).

وكان حبيب بن سوادة الثائر بقرمونة قد نكث بعهده، وعاد إلى قرمونة، وأظهر الامتناع بها، فسير إليه عبد الرحمن الحاجب بدراً في حملة قوية، فحاصر بدر قرمونة وضربها بالمجانيق بشدة، ثم دخلها عنوة، وقبض على حبيب وولده وأرسلهما في الأصفاد إلى قرطبة (ربيع الأول ٣٠٥ هـ) (٢).

وفي شهر ربيع الأول من العام التالي، في سنة ٣٠٦ هـ (سبتمبر ٩١٨ م) (٣)


(١) ابن حيان في السفر الخامس من المقتبس - مخطوط الخزانة الملكية - لوحة ٥٦ ب و٥٧ أوب.
(٢) الأوراق المخطوطة الخاصة بعهد الناصر ص ٥٥ و٥٦.
(٣) وفي رواية الرازي التي نقلها إلينا ابن حيان، أن وفاة ابن حفصون كانت في شهر شعبان سنة ٣٠٥ هـ - السفر الخامس - مخطوط الخزانة الملكية - لوحة ٦٥ أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>