للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثوى في الثرى حتى إذا صار رمة ... أعيد إليه جسمه فتلأما

رقى فوق جذع بالهواء معلق ... يحاول منه بالنجوم تحوُّما

تبارك من أبداه للخلق سامغاً ... وبوّأ منه النفس قعر جهنما (١)

وأمر عبد الرحمن، فعمرت سائر مساجد ببشتر المهجورة، وهدمت سائر الكنائس والأديار، التي ابتناها الثائر في تلك المنطقة، واستولى عبد الرحمن على سائر معاقلها وحصونها، وطهرها من آثار الثورة الأخيرة (٢). ثم أمر بعد ذلك بالقبض على " أرخنتا " ابنة عمر بن حفصون وإعدامها، لارتدادها عن الإسلام، وتمسكها باعتناق النصرانية، فأعدمت في سنة ٩٣١ م، أو في سنة ٩٣٧ وفقاً لرواية أخرى، ونظمتها الروايات والأساطير النصرانية في سلك القديسين والشهداء (٣).

هذا، وقد أصدر الناصر عقب فتح ببشتر واستئمان حفص، كتاباً طويلا ينوه فيه بهدى الإسلام وفضله، وما خصه الله به من خلافته وأمانة عباده، ويشير إلى خروج المارقين، وميل نفوسهم المريضة إلى الشرك، وكيف أنه أصدر أمانة لأهل ببشتر، ثم يقول في خطابه ما يأتى:

" وعهدنا إلى الوزير أحمد بن محمد حدير، بالتقدم إليهم لحضور خروجهم، ومباشرة نزولهم، وإكمال الأمان لهم، وقبض الأيدي عنهم، فنهض إلى ذلك وقصد له، فلما صار بمدينة طلجير، المبتناة على مدينة ببشتر، هبت بالطاغين عنها، فتساربوا خارجين، وتهافتوا ذاهبين، وتعرفوا الذي سبا إلى جوانب شتى، فقصد كل واحد إلى منزعه، وأم مكان طماعيته، ولحق بمداين الطاعة، فصاروا في غمار الرعية، وتمكث خلفهم عميدهم حفص بن عمر طاير الفواد،


(١) ابن حيان - السفر الخامس - لوحة ٨٩ أوب و٩١ أ. هذا ولم نجد ذكراً لحكم من أبناء عمر بن حفصون إلا في هذه المناسبة، وفي رواية ابن حيان، وفي الأوراق المخطوطة (ص ٧٧).
(٢) تراجع تفاصيل المعارك الأخيرة بين عبد الرحمن وأبناء ابن حفصون، وخاتمة هذه المعارك في الأوراق المخطوطة الخاصة بعصر الناصر ص ٦٢ و٦٥ و٦٩ و٧٣ و٧٤ و٧٥ و٧٦ و٧٧ و٧٨. وكذلك في البيان المغرب ج ٢ ص ١٩١ و١٩٣ و١٩٤ و٢٠٤ و٢٠٨ و٢٠٩. وابن خلدون ج ٤ ص ١٣٥.
(٣) Dozy: Hist., Vol.II.p.١٠٩. و R.M. Pidal: Origines del Espanol, p. ٤٢٠

<<  <  ج: ص:  >  >>