للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الضئيلة، وفقرها المدقع، إلى وديان الأندلس النضرة، وإلى نعمائها الوافرة، وحضارتها الزاهرة، بعين المقت والحسد، وتعمل جاهدة لبث الدمار والويل إلى هاتيك الربوع السعيدة. وكان على حكومة قرطبة أن تعمل على حماية الأندلس وحماية تراثها وحضارتها، من هذا العدوان الخرب الذي أخذ يشتد يوماً عن يوم.

وكان عبد الرحمن حينما ولي الملك، يؤثر الإغضاء حيناً عن محاربة النصارى، لكي يكرس جهوده وقواه لقمع الثورة، وتطهير الأندلس من عناصر الفتنة، ولكن النصارى رأوا بالعكس أن يعملوا على انتهاز الفرصة، وإذكاء نار الفتنة والفوضى في الأندلس. فما كاد عبد الرحمن يلي الملك، حتى بادر أردونيو الثاني (أرذون) ملك ليون بالإغارة على الأراضي الإسلامية، واتجه أولا نحو منطقة الغرب لنأيها وضعف وسائل الدفاع عنها، وقصد إلى مدينة يابُرة، الواقعة غربي بطليوس. ويقول لنا الرازي إن أردونيو نزل على يابرة في يوم ١٣ من المحرم سنة ٣٠١ هـ (أغسطس ٩١٣ م) وأنه كان في جيش يقدر بثلاثين ألفاً من الخيل والرجل والرماة، وكان على يابرة يومئذ عاملها مروان بن عبد الملك، فبذل جهده لمدافعة الغزاة؛ وطوق أردونيو المدينة من سائر نواحيها، وهاجمتها قواته من كل صوب، ودافع المسلمون عن مدينتهم من فوق الأسوار، حتى أرغموا بفعل السهام على النزول عنها وتسلق النصارى الأسوار، ودخلوا المدينة، واضطرمت بينهم وبين المسلمين داخلها معارك شديدة، وفنى المسلمون شيئاً فشيئاً حتى قتلوا جميعاً، ولم تنج منهم سوى شرذمة قليلة، فرت تحت جنح الظلام إلى مدينة باجة. وسبى النصارى سائر النساء والذرية، وقتل مروان بن عبد الملك عامل المدينة مدافعاً عنها، وبلغ السبي أكثر من أربعة آلاف من النساء والولدان. وترك أردونيو المدينة خراباً يباباً، وعاد في قواته إلى جليقية.

وبث هذا الحادث الروع والفزع في سائر قواعد الغرب، فأخذ أهلها في إصلاح أسوارهم، وقام أهل بطليوس بالأخص في ذلك بمجهود ضخم، ودعموا أسوارهم، وزادوا في عرضها وارتفاعها، بقيادة عاملهم عبد الله بن محمد الجليقي (١). وفي سنة ٣٠٣ هـ (٩١٥ م)، سار أردونيو في قواته مرة أخرى إلى منطقة الغرب، في جيش تقدره الرواية الإسلامية بستين ألفاً،


(١) ابن حيان عن الرازي - السفر الخامس - مخطوط الخزانة الملكية - لوحة ٥١ أوب.

<<  <  ج: ص:  >  >>