للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فعبر نهر التاجُه، واشترك في إرشاده إثنان من الأدلاء المسلمين، من بربر مصمودة من البرانس، ولكنهما كانا يضمران عكس ما طلب إليهما؛ واتجه أردونيو جنوباً صوب حصن مدلين، وقاده الدليلان المسلمان من طريق صعبة وعرة، فلم يخرج منها إلا وقد نهك جيشه، فأمر بالدليلين فأعدما، وسار حتى وصل إلى الحصن، فاستولى عليه دون مقاومة وأصاب فيه بعض الغنائم، ثم سار إلى قلعة الحنش (ألانية)، الواقعة جنوبي ماردة، وكان يسكنها يومئذ برانس كتامة، وكانوا في عدد وافر وعلى أتم استعداد للمقاومة، وكان المقدم عليهم يسمى بابن راشد؛ فهاجم النصارى الحصن، ودافع المسلمون عن أنفسهم أشد دفاع، ولكنهم هزموا في النهاية وقتل معظمهم، وقتل ابن راشد فيمن قتل، ودخل النصارى الحصن فقتلوا كل من وجدوه، وسبوا النساء والذرية، وهدموا الحصن. ثم سار أردونيو في اليوم التالي إلى ماردة، ولكنه وقف أمامها ذاهلا من حصانتها، واعتزم الكف عن قتالها، وبعث إليه قائد المدينة محمد بن تاجيت رسولا يستلطفه، وأهدوا إليه فرساً رائعاً من عتاق الخيل بسرجه وعدته، فقبله وأعجب به، وتركهم ورحل عنهم.

ولكنه عاث حين قفوله في تلك المنطقة، وقتل وسبى كثيراً من سكانها، واستولى على بعض قلاعها؛ ثم قصد إلى مدينة بطليوس، فارتاع أهلها واسترضوه بالمال والحلي، وعبر النصارى نهر دويرة قافلين إلى ديارهم مثقلين بالغنائم والسبي دون أن يعترض سبيلهم معترض (١).

وبقيت يابرة خراباً نحو عام، حتى بعث عبد الله بن محمد الجليقي، صاحب بطليوس حليفه مسعود بن سعدون المعروف بالسرنباقي، ومن معه من قومه الشاردين عن الجماعة إلى مدينة يابرة، فنزلها مسعود بأهله وولده وصحبه ومن معهم، وكان منهم كثير ممن لجأ من قبل من أهل يابرة إلى باجة وأكشونبه؛ وابتنى لهم الجليقي أسوار المدينة، وأمدهم بالأطعمة والدواب والكسى؛ وعلى أثر ذلك قصد الناس إلى يابرة فاستوطنوها، وعمرت بسكانها مرة أخرى (٢).


(١) ابن حيان في السفر الخامس من المقتبس - مخطوط الخزانة الملكية، لوحة ٦٠ أوب وابن خلدون ج ٤ ص ١٤١.
(٢) المقتبس - السفر الخامس، لوحة ٥٣ و٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>