للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكانت هذه المنطقة التي غزاها النصارى وهي منطقة ماردة، من المناطق الثائرة. ولكن عبد الرحمن كان أبعد نظراً من أن يغضى عن عدوان يقع في صميم الأراضي الإسلامية. هذا إلى أنه رأى أن يأسر قلوب الثوار، بإنجادهم والانتقام لهم، وأن يرد عدوان النصارى بمثله. ففي فاتحة سنة ٣٠٤ هـ (٩١٦ م) سير عبد الرحمن وزيره وقائده أحمد بن محمد بن أبي عبدة في جيش قوي، غازياً إلى أراضي مملكة ليون، فالتقى بالنصارى وهزمهم في عدة وقائع محلية، وعاث في أراضيهم وسبى وغنم غنائم كثيرة (١). وفي العام التالي أراد أردونيو الثاني الانتقام لهزائمه، فعاث في منطقة طلبيرة (٢)، وأحرق مدنها وانتسف ضياعها، فضج المسلمون لهذا البلاء، وتضرعوا إلى مليكهم أن ينقذهم من هذا العدوان الصارخ.

فسير عبد الرحمن قائده أحمد بن أبي عبدة ثانية إلى أرض النصارى في جيش ضخم من المدونين، والمتطوعة، وانضم إليه حين دخوله إلى الثغر (الحدود) خلق كثير، واخترق المسلمون أراضي قشتالة، وزحفوا إلى قلعة شنت إشتيبن الواقعة على نهر التاجُه، وكانت تسمى أيضاً قلعة قاشترو مورش (٣)، وهي من أمنع قلاع النصارى على الحدود، وضربوا حولها الحصار الصارم، ثم نازلوها بشدة، وكادت تسقط في أيديهم، لولا أن هرع إلى إنجادها أردونيو في جموع ضخمة من النصارى؛ وكان الجيش الإسلامي بالرغم من تفوقه في الكثرة مختل النظام، مفكك العرى، يتألف سواده من البربر والمرتزقة الذين لا يعتمد على ولائهم وشجاعتهم، وكانوا يحرصون على غنائمهم أكثر من حرصهم على مقاتلة العدو، فلما انقض أردونيو بقواته على المسلمين، تسللت منهم وحدات كثيرة، وارتدت أمام المهاجمين، ودب الهرج إلى صفوف المسلمين. ولكن قائدهم الشجاع أحمد بن أبي عبدة فضل الموت على الارتداد، فصمد في مكانه في نفر من أشجع ضباطه وجنده، فقتلوا جميعاً، وهلك معهم عدة من أكابر الفقهاء والمجاهدين. وكانت هزيمة مروعة. وكان ذلك في الرابع عشر من ربيع الأول سنة ٣٠٥ هـ (٤ سبتمبر سنة ٩١٧ م). وتقول


(١) البيان المغرب ج ٢ ص ١٧٦.
(٢) وهي بالإسبانية Talavera، وهي تقع على نهر التاجه غربي طليطلة.
(٣) San Esteban أو Castro Moros

<<  <  ج: ص:  >  >>