للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرواية الإسلامية إن فلول الجيش الإسلامي، استطاعت أن ترتد بعتادها ومتاعها سالمة إلى الأراضي الإسلامية (١). ولكن الرواية الإسبانية تقول بالعكس إن هزيمة المسلمين كانت ساحقة، وبلغ من روعتها أن غصت سائر التلال والسهول والغابات الممتدة جنوباً من دويرة إلى أنتيسة (٢)، بقتلاهم وأشلائهم (٣).

وكان لذلك الخطب وقع عميق في بلاط قرطبة. وكان عبد الرحمن يعتزم المبادرة إلى غزو ليون بنفسه، لولا أن شغلته عندئذ حوادث إفريقية، على أنه اضطر غير بعيد أن ينهض لرد اعتداء النصارى. ذلك أنه لم تمض بضعة أشهر حتى عاد أردونيو الثاني وحليفه سانشو (شانْجُه) ملك نافار، إلى غزو الأراضي الإسلامية في منطقة الثغر الأعلى، وذلك في ربيع سنة ٩١٨ م. وكانت موقعة شنت إشتيبن قد ضاعفت من جرأة النصارى واستهتارهم، فعاثوا في أحواز ناجرة وتطيلة.

واستولى سانشو على بلدة بلتيرة (٤) وأحرق مسجدها الجامع ونكل بأهلها.

يقول ابن حيان: " وانقلب الكفرة لعنهم الله إلى بلادهم أعزة، فكان هذا مما أحفظ الناصر لدين الله وحرّكه لمجاهدة أعداء الله، ورغبه في الانتقام منهم بمن الله تعالى " (٥). وكان عبد الرحمن في الواقع يتوق إلى الانتقام لهزيمته الفادحة في شنت اشتيبن ومقتل قائده الشهم، ولم ينس أن أردونيو سمر رأسه في جدران شنت إشتيبن، فحشد جيشاً ضخماً لمقاتلة النصارى بإمرة حاجبه بدر بن أحمد، وبعث الأوامر والكتب إلى أهل الثغور بالنهوض لتأييده، ومعاونته على معاقبة النصارى ورد عدوانهم والإيقاع بهم. وخرج بدر في جيشه الضخم من قرطبة في المحرم سنة ٣٠٦ هـ (أوائل يوليه سنة ٩١٨ م)، وهرع إليه أهل الثغور (الأطراف) من كل ناحية، ظمئين إلى الجهاد والانتقام.

وكذلك احتشد النصارى من سائر الأنحاء لرد الغزاة. ونفذ المسلمون كالسيل


(١) هذا قول ابن حيان في السفر الخامس من المقتبس - مخطوط الخزانة الملكية، لوحة ٦٤ أ، وكذلك البيان المغرب ج ٢ ص ١٧٨.
(٢) هي بالإسبانية Atienza
(٣) Dozy: Hist , Vol.II.p. ١١٧
(٤) ناجرة هي بالإسبانية Najera، وبلتيرة هي Valterra، وكلتاهما تقع في أحواز تطيلة.
(٥) السفر الخامس من المقتبس - لوحة ٦٦ ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>