للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى حدود ليون، فاعتصم النصارى بالجبال لما رأوا من كثرة العدو وأهبته، ولكن المسلمين هاجموهم في مواقعهم، ونشبت بين الفريقين موقعتين دمويتين على مقربة من مكان يسمى " مطونية ". فهزم النصارى هزيمة ساحقة، وأمعن المسلمين فيهم قتلا وأسراً، ولم تنج منهم سوى فلول يسيرة، وكان ذلك في الثالث والخامس من ربيع الأول سنة ٣٠٦ هـ (١٣ و١٥ أغسطس سنة ٩١٨ م) (١).

على أن هذه الهزيمة الساحقة لم تفت في عضد النصارى، فلم يمض سوى قليل حتى عادوا إلى الاحتشاد والإغارة على الأراضي الإسلامية، واستمر القتال سجالا بين المسلمين والنصارى مدى أشهر، وكثر العيث والسبي في مناطق الحدود. فاعتزم عبد الرحمن أن يسير إلى مقاتلة النصارى بنفسه، فخرج من قرطبة في الثالث عشر من المحرم سنة ٣٠٨ هـ (أوائل يونيه ٩٢٠ م) في جيش ضخم، وانضم إليه أثناء سيره كثير من أهل الثغور. واخترق أراضي الثغر الأوسط من طليطلة شمالا، حتى مدينة الفرج أو وادي الحجارة ومدينة سالم، فوصل إليها في الرابع والعشرين من المحرم. وفي ذلك اليوم ولى خطة الوزارة لسعيد بن منذر القرشي، وعينه والياً لوادي الحجارة، واتجه إلى طريق ألبة والقلاع (قشتالة) ثم عبر نهر دويرة وزحف على مدينة أوسمة (وخشمة) وأحرقها، وفر منها النصارى ولاذوا بالجبال. ثم سار إلى قلعة شنت إشتيبن (قاشترو مورش)، وهي التي كانت مسرحاً لهزيمة المسلمين المروعة، ففرت حاميتها النصرانية، واستولى عليها وخربها، وغنم ما فيها. وخرب في تلك المنطقة كثيراً من المعاقل والأبراج والكنائس والديارات. ثم سار إلى مدينة قلونية وهي مدينة قديمة لم تبق منها اليوم سوى أطلال دارسة، وكان أهلها قد فروا إلى الجبال، فاجتاح تلك المنطقة كلها، وانتسف أراضيها وخرب قلاعها، وهدم قلونية وخرب دورها وكنائسها، ولم يعترض سبيله أحد من النصارى. وكان أردونيو ملك ليون وسانشو (شانجه) ملك نافار قد حشدا حشودهما، واجتمعت لهما قوات كثيرة. ولكنهما بقيا في الشمال انتظاراً لمقدم المسلمين، وعرج عبد الرحمن بعد ذلك على مدينة تطيلة إستجابة لصريخ أهلها، حيث أزعجها النصارى


(١) البيان المغرب ج ٢ ص ١٧٩ و١٨٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>