للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يومئذ في القصر والبطانة، بثلاثة عشر ألفاً وسبعمائة وخمسين، وبلغوا في رواية أخرى سبعة آلاف وثمانين ويقول لنا ابن الخطيب إن عدد الفتيان الصقالبة بمدينة الزهراء كان عند وفاة الناصر ثلاثة آلاف وسبعمائة وخمسين، وعدد النساء بالقصر ستة آلاف وسبعمائة وخمسين، تجري عليهم جميعاً رواتب الطعام بسائر صنوفه (١). وعلى أي حال فقد كان من أولئك الصقالبة الحرس الخليفي، ورجال الخاص والحشم، وكان الناصر يمد لهم في السلطان والنفوذ، ويرغم أشراف العرب وزعماء القبائل على الخضوع لهم، ليذل بذلك أنوفهم ويسحق هيبتهم (٢). بل كان منهم في عهد الناصر قائد الجيش الأعلى نجدة، ومعظم أكابر القادة والضباط، وكان منهم أفلح صاحب الخيل، ودرِّي صاحب الشرطة، ومنهم ياسر وتمام صاحبا النظر على الخاص (٣). وكان لهذه السياسة غير بعيد، أسوأ الأثر في انحلال الجيش وفتور قواه المعنوية، لما جاشت به صدور الضباط والجند العرب، من الحفيظة والسخط على هذه السياسة المهينة، وكانت هزيمة الناصر في موقعة الخندق الشهيرة (ألانديجا) (٣٢٧ هـ)، ترجع من وجوه كثيرة إلى هذا الانحلال المعنوي، الذي سرى إلى الجيش من جراء الأحقاد القومية والطائفية (٤).

- ٤ -

كانت الأندلس بما اجتمع لها في عهد الناصر من أسباب القوة والسلطان، قد تبوأت مركز الصدارة بين الدول الإسلامية، وكانت الدولة العباسية قد دخلت يومئذ في دور انحلالها، ولم تكن الدولة الفاطمية الفتية منافستها في المشرق، قد بلغت يومئذ ذروة قوتها ونفوذها، فكانت الأندلس تستأثر يومئذ بزعامة الإسلام. وكانت قرطبة مركز الجاذبية الدبلوماسية في العالم الإسلامي، تتجه إليها أبصار الدول النصرانية في طلب المودة، وعقد العلائق الدبلوماسية؛ وكانت قسطنطينية مركز هذه الجاذبية الدبلوماسية بين أمم النصرانية حتى القرن الثامن.

ثم نافستها في ذلك مملكة الفرنج القوية مدى حين، فلما اضمحل شأن المملكة


(١) أعمال الأعلام ص ٤٠ و٤١.
(٢) Dozy: HistVol.II.p. ١٥٣. وراجع نفح الطيب ج ١ ص ٢٦٥.
(٣) البيان المغرب ج ٢ ص ١٢٣؛ ونفح الطيب ج ١ ص ١٧١.
(٤) Dozy: Hist.V.II.p. ١٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>