للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإمبراطور، واستقبله بقصر قرطبة في احتفال فخم، ظهرت فيه روعة البلاط الأموي، وأفضى إلى الخليفة بموضوع سفارته. ولسنا نعرف ماذا كانت نتائج هذه السفارة، لأن الرواية العربية لا تحدثنا عن موضوعها، ولا تحدثنا الرواية الكنسية عن نتائجها. ولكن المرجح أن وجهة النظر التي أبدتها حكومة قرطبة لسفير الإمبراطور، فيما يتعلق بأمر المستعمرات العربية المغامرة، وغزواتها في غاليس وشمالي إيطاليا وسويسرة، أنها ليست لها علاقة بتلك المستعمرات، وأنها لا تتحمل تبعة أعمالها، ولا تستطيع أن تتدخل في شأنها، أو تبذل نصحها لأولئك المغامرين الخارجين عن طاعتها، وهو استنتاج يؤيده صمت الرواية العربية عن ذكر أخبار هذه المستعمرات، مما يدل على أن حكومة الأندلس، لم تكن ذات علائق رسمية بها، ولم تكن تعني بأمرها، وإن كانت بلا ريب تنظر إلى غزواتها وتوغلها في الأراضي النصرانية، بعين العطف والرضى. ولكن لوتبراند وهو مؤرخ كنسي معاصر، يؤكد لنا أن الخليفة كان يحمي هذه المستعمرات، ويمدها بالتشجيع والعون (١).

بيد أن الرواية الكنسية تقدم إلينا بهذه المناسبة حديثاً طريفاً عن آراء الناصر في نظم الحكم، فقد وقف الناصر من مستشاريه أو من يوحنا نفسه على طرق نظام الحكم الإقطاعي السائد في ألمانيا، وما يتمتع به بعض الأمراء المحليين في ظل هذا النظام، من الاستقلال الداخلي، وأبدى ليوحنا اعتراضه على هذا النظام، قائلا إن ملككم أمير حكيم ماهر، ولكن في سياسته شيئاً لا أستسيغه، وهو أنه بدلا من أن يقبض بيديه على جميع السلطات، ينزل عن بعضها لأتباعه، ويترك لهم بعض ولاياته، معتقداً أنه يكسب بذلك، وهذا خطأ فادح، فإن مداراة العظماء لا يمكن إلا أن تزيد في كبريائهم، وتذكي رغبتهم في الثورة (٢). وفي ذلك ما يوضح لنا فكرة الناصر في الحكم المطلق، وسياسته في سحق أولي الشأن والعصبية من زعماء القبائل العربية، واعتماده على بطانة ذليلة من الفتيان الصقالبة والمولدين.

تلك تفاصيل المراسلات والسفارة الشهيرة التي تبادلها أوتو الأكبر وعبد الرحمن الناصر، زعيما النصرانية والإسلام في عصرهما، بيد أنها لم تكن خاتمة الصلات


(١) Reinaud: ibid, p. ١٩٣
(٢) Dozy: Hist.V. II. p. ١٥٣

<<  <  ج: ص:  >  >>