للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قدم نفسه لصاحب المدينة، فزج إلى السجن. ورفع أمره إلى الخليفة، فرق لمحنتهم. أمر بالإفراج عنهم، فأطلق سراحهم في أواخر شعبان من هذه السنة (١) وفي هذا الإجراء ما يشهد برفيع خلال الحكم. ورقة شعوره، وموفور احتشامه.

* * *

وفي ذلك الحين حدثت بعدوة المغرب، في الضفة الأخرى من البحر، حوادث هامة، شغلت الحكم، وكدرت صفو السلام السائد في مملكته. وقد سبق أن أشرنا إلى غزو الناصر لدين الله لثغر سبتة، وعبور جيوشه إلى المغرب لمقاومة جهود الفاطميين في السيطرة عليه، ومحاربة الأدارسة أمراء المغرب وحلفاء الفاطميين، ومطاردتهم. حتى أذعنوا في النهاية إلى طلب الصلح، والاعتراف بطاعة الناصر (سنة ٣٣٢ هـ - ٩٤٣ م). وقيام الدعوة المروانية بالمغرب منذ ذلك الحين.

وكانت دولة الأدارسة، قد تقلصت في ذلك الحين، عن معظم أنحاء المغرب الجنوبية والوسطى، وارتدت إلى منطقة الريف الشمالية، ما بين غربي بحر الزقاق والمحيط، وجعلت قاعدتها بعد انقراض أمرهم في فاس، في قلعة حجر النسر المنيعة، الواقعة في جنوبي تطوان. ولم تكن مع ذلك دولة مستقلة بمعنى الكلمة، إذ كانت تنضوي تحت لواء المتغلب على المغرب، سواء من العبيديين (الفاطميين) أصحاب إفريقية. أو الأمويين أصحاب الأندلس. وكان أمير الأدارسة في أواخر عهد الناصر، الحسن بن كنّون (أو قنون)، وهو القاسم بن محمد ابن القاسم بن إدريس، الذي قدر أن تنقضي على يده دولة الأدارسة بالمغرب، وكان قد بايع العبيديين، ودعا لهم حينما تغلب جوهر الصقلي على المغرب، ناكثاً بذلك عهده للناصر. فلما انصرف جوهر إلى إفريقية في أواخر سنة ٣٤٩ هـ (٩٦٠ م) عاد الحسن إلى طاعته لبني أمية. ولما توفي الناصر أعلن الحسن طاعته لولده الحكم المستنصر. ولم يكن ذلك سوى مصانعة ورياء، إذ كان الأدارسة يبغضون بني أمية، ويترقبون فرص الخروج عليهم، ولم تكن طاعتهم لهم إلا خوفاً من بطشهم، لوقوع مملكتهم في شمال العدوة على مقربة من الأندلس.


(١) راجع المقتبس - قطعة أكاديمية التاريخ المشار إليها - ص ٧٣ - ٧٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>