للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي أوائل سنة ٣٦١ هـ (٩٧١ م) سار بُلكّين بن زيري بن مناد الصنهاجي، قائد الخليفة الفاطمي المعز لدين الله، من إفريقية غازياً إلى المغرب، ليعيد هنالك سلطان الشيعة، ولينتقم من قبيلة زناته، لمقتل أبيه زيري بن مناد. وكان زيري عامل الخليفة المعز وقائده على المغرب، وكانت زناتة من القبائل المغربية القوية المخالفة للشيعة، والمنضوية تحت لواء الأمويين. وكان من أشد خصوم الشيعة أيضاً، جعفر ويحيى ابنا علي بن حمدون المعروف بالأندلسي (١)، وكان الأندلسي هذا قد استقر في "المسيلة" في المغرب الأوسط، وبسط حكمه على تلك الناحية، وخلفه ولده جعفر في إقطاعه، ولكنه خشي سطوة الشيعة، وسطوة عاملهم زيري، ففر وأخوه يحيى مع الأهل والمال إلى المغرب الأقصى، ولجأ إلى بني خزر أمراء زناتة الأقوياء، وألد خصوم الشيعة وصنهاجة. وكان رسل الحكم يروجون الدعوة في زناتة وحلفائهم لمحاربة الشيعة، ويمدونهم بالمال لحشد الرجال والعدة، فاجتمعت قوات بني خزر وجعفر ويحيى على قتال زيري، ودارت بينهما الحرب في وادي ملوية عند مشارف المغرب الأقصى، وانهزم الشيعة، وقتل زيري ومعظم رجاله بعد معركة طاحنة واحتوى الزناتيون على معسكره، وانهار بذلك سلطان الشيعة في المغرب، وكان ذلك في العاشر من رمضان سنة ٣٦٠ هـ (يوليه ٩٧١ م). واحتز الظافرون رأس زيري ورؤوس عدة من أكابر صحبه. وحملها جعفر ويحيى وأصحابهما إلى الأندلس، وقدموها إلى الحكم، فحظوا لديه وغمرهم بعطفه وصلاته (٢).


(١) ذكر ابن حيان نقلا عن محمد بن يوسف بن عبد الله الوراق أن جعفراً وأخاه هما من أصل أندلسي، وهما ابنا على بن حمدون بن سملك بن سعيد بن إبراهيم. وكان منزلهم بالأندلس بكورة إلبيرة على مقربة من قلعة يحصب. وانتقل جدهما حمدون إلى إفريقية وتزوج من كتامة، ثم سافر إلى الحج، وتعرف هناك بأبي عبد الله الشيعي ودخل في مذهبه. ولما ظهر الشيعي بإفريقية واحتوى على ملك بني الأغلب حظى لديه، وحظى أبناؤه لدى الخلفاء الفاطميين، واستقروا مدى حين حكاماً للمسيلة. ثم اتهم زعيمهم جعفر بالإتصال ببني خزر، وتوعده الخليفة المعز بشر النكال ففر وأخوه في الأهل والمال إلى بني خزر أمراء زناته (راجع المقتبس - قطعة أكاديمية التاريخ - ص ٣٣ - ٣٦).
(٢) يقدم إلينا ابن حيان تفاصيل ضافية عن استقبال جعفر وأخيه يحيى حين مقدمهما إلى الأندلس برؤوس زيري وأصحابه، ودخولهما قرطبة في ركب ضخم برفقة صاحب السكة والمواريث وقاضي إشبيلية محمد بن أبي عامر، ثم استقبال الخليفة لهما ومن معهما من أعيان بني خزر، وذلك بالمجلس القبلي من قصر الزهراء، في حفل فخم رتبت فيه صفوف الجند وأهل الخدمة بأثوابهم =

<<  <  ج: ص:  >  >>