للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان لهذه النكبة التي حلت بجيش الشيعة وصنهاجة، وقع عميق في الخلافة الفاطمية. فأمر الخليفة المعز قائده يوسف بن زيري بن مناد، المسمى بُلُكّين (بلقين) أن يسير في الجيوش إلى المغرب حسبما تقدم. فسار بلكلين، وهو ينزل ضرباته المتوالية بأتباع زنانة حيثما وجدوا في طريقه، وكانت منهم جموع غفيرة في المغرب الأوسط في بجاية، والمسيلة، وبسكرة، وتاهرت وغيرها، فمزقهم شر ممزق. ووصل بلكين في قواته، إلى المغرب الأقصى، في ربيع الثاني سنة ٣٦١ هـ، واستعد بنو خزر وسائر أمراء زناتة للقائه، ووقعت الحرب بين الفريقين، فهزمت زناتة شر هزيمة، وانتحر أميرها محمد بن الخير بن خزر وذلك بأن اتكأ على سيفه فذبح نفسه، حتى لا يقع في يد عدوه، ومزق بلكين زناتة كل ممزق، وهدم مدينة البصرة، وبسط سلطانه على معظم أنحاء المغرب، وقطع دعوة الأمويين، وحقق انتقامه لمقتل أبيه كاملا (١).

وسارع الحسن بن كنون، القلَّب مع كل تطور جديد، إلى بيعة بلكين، والانضواء تحت لوائه، أو بعبارة أخرى، تحت لواء سادته الشيعة ولكن بلكين لم يمكث طويلا بالمغرب. إذ سرعان ما استدعاه سيده المعز - وكان يتخذ يومئذ أهبته للسفر إلى مصر، مقر ملكه الجديد - فارتد عائداً بقواته إلى إفريقية.

ووقف الحكم على تطور الحوادث بالمغرب، فأزعجه ذلك وأهمه، وبادر


= الزاهية، وقد رفعت رؤوس القتلى وعددها مائة وفي مقدمتها رأس زيري على القنوات. وكان دخولهم على الخليفة، في أواخر ذي القعدة سنة ٣٦٠ هـ. واستقبلهم الخليفة بالبشر والرضى، وامتدح موقفهم وانصرافهم عن حزب الشيعة إلى مؤازرة حزبه. وعلى أثر انتهاء المقابلة، انزلوا في الدور التي خصصت لهم بقرطبة، ورتب الخليفة لكل من جعفر وأخيه يحيى نفقة شهرية قدرها ألف دينار، ورتب لمرافقيهم من بني خزر، كل ما يكفيه من النفقة والطعام. يقول ابن حيان بعد أن أورد لنا هذه التفاصيل الشائقة بإسهاب لا مزيد عليه: " فكان يوم جعفر بن علي ومن ورد معه من أحد الأيام العقم بقرطبة، في اكتمال حسنه وجلالة قدره، خلد حديثه زمناً في أهلها، قاضياً من عجب الجلالة، وكل شىء فإلى انقضاء، إلا إله الأرض والسماء، تعالى جده " (المقتبس - قطعة أكاديمية التاريخ ص ٤٤ - ٥٣ وص ٥٧).
(١) راجع مجموعة " نبذ تاريخية في أخبار البربر في القرون الوسطى " المنتخبه من كتاب " مفاخر البربر " لمؤلف مجهول، والمنشور بعناية الأستاذ ليفي بروفنسال (الرباط سنة ١٩٣٤) ص ٦ - ٨، ويرجع الكاتب هذه الموقعة إلى سنة ٣٦٠ هـ. وراجع أيضاً المقتبس - قطعة أكاديمية التاريخ ص ٣٦ و٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>