للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعمد الحكم في نفس الوقت إلى اصطناع البربر وفرسانهم، لما لقيه منهم في حربه ضد الحسنيين الأدارسة، من المجالدة ووفرة البأس والشجاعة، فأكرم وفادتهم، وألحقهم بجنده، وأجزل لهم العطاء. وكان في مقدمة هؤلاء بنو برزال الذين أبلوا من قبل في محاربة زيرى بن مناد الصنهاجى، وكانوا قد عبروا إلى الأندلس، وأغضى الحكم عن انحيازهم إلى مبادئ الخوارج الإباضية. وهكذا اجتمعت للحكم من عبيد جعفر ويحيى ومن داخلهم من أحرار البربر الوافدين، قوة عسكرية بربرية تضم نحو سبعمائة فارس من خيرة الشجعان (١).

وفي شهر جمادى الآخرة سنة ٣٦٤ هـ أصدر الحكم أوامره بإسقاط سدس المغرم (الضرائب) الواجب أداؤه على سائر الرعايا عن هذه السنة، وأنفذ بذلك مرسومه إلى سائر القواد والعمال بمختلف الكور، وقرر أن يكون هذا السدس شائعاً في الناس يستوي في معرفته العالم منهم والجاهل، وذلك ترفيهاً لهم وتحقيقاً لمصالحهم (٢).

وفي شهر رجب من هذه السنة، بعث الحكم، نظراً لما بدا من تحركات النصارى في مختلف الأنحاء، عدداً من أكابر رجال المملكة إلى كور الأندلس لحث أهلها على ارتباط الخيل، والاستعداد لمؤازرة جيش الصائفة، وكان ممن بعث من رجالاته صاحب الشرطة العليا، يحيى بن عبيد الله بن يحيى، بعثه إلى كور الجوف، وبعث قائد البحر عبد الرحمن بن رماحس إلى كور الشرق، وبعث أحمد بن محمد بن سعد الجعفري إلى الغرب، نحو شنترين وما إليها، وبعث آخرين لنفس الغرض (٣).

وفي أوائل شعبان سنة ٣٦٤ هـ (ابريل ٩٧٥ م) هاجم جيش مشترك من الجلالقة والقشتاليين والبشكنس، حصن غرماج الواقع على نهر دويرة على مقربة


(١) ابن حيان - قطعة أكاديمية التاريخ ص ١٩١ و١٩٢.
(٢) المقتبس - قطعة أكاديمية التاريخ ص ٢٠٨. وقد أورد لنا ابن حيان نص هذا المرسوم كاملا (ص ٢٠٧ و٢٠٨) وفيه يقرر الحكم أنه أصدر مرسومه المذكور " لما تظاهرت آلاء الله تعالى عليه، وحسن بلائه عنده " وأنه " رأى أن يجدد له الشكر " ويمتري منه المزيد بإسقاط سدس جميع مغرم الحشود الواجب تقاضيها منهم لسنة أربع وستين وثلاثمائة، تخفيفاً عن رعيته وإحساناً إلى أهل مملكته.
(٣) المقتبس - قطعة أكاديمية التاريخ ص ٢١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>