من مدينة سالم، ونشب وبينه وبين حاميته الإسلامية قتال عنيف. وشجع النصارى على انتهاك السلم المعقود بينهم وبين الخليفة، اعتقادهم بأن قوى الأندلس كلها ما تزال مشغولة بحروب العدوة. وانقلب النصارى إزاء بسالة الحامية الإسلامية إلى محاصرة الحصن، ووافتهم أمداد أخرى جاءت لتشد أزرهم.
وما كاد الحكم يقف على هذه الأنباء حتى بعث كبير قواده غالباً بن عبد الرحمن في قوة مختارة غادرت قرطبة على عجل. وبعث الحكم في أثرها أحمال المال للإنفاق على الصائفة. واستمر حصار النصارى لغرماج حتى شوال من تلك السنة. وجاءت للنصارى أمداد جديدة من جند ليون، سيرتها الراهبة إلبيرة الوصية على ملك ليون، ناكثة بذلك عهدها في التهادن والسلم. وفي منتصف شوال، هاجم النصارى الحصن، وهم في أكثر من ستين ألفاً، محاولين اقتحامه، ونشبت بينهم وبين الحامية الإسلامية معركة طاحنة انتهت بهزيمة النصارى وتبديد شملهم، فبادرت صفوفهم بالارتداد عن الحصن بعد أن فقدوا كثيراً من جندهم وعتادهم، وطاردهم المسلمون، فقتلوا منهم جموعاً أخرى، وأحرزوا غنائم جمة. وبعث المسلمون إلى الوزير غالب، وهو مقترب منهم لنصرتهم، بنبأ هذا الظفر، فأنفذه من فوره إلى الخليفة، وسار إلى الحصن ونزل به، ثم خرج في قواته، فعاث حيناً في أراضي قشتالة، وانتسف الزروع، وخرب القرى، وتقدمت قوة بعث بها غرسية فرنانديز صاحب قشتالة لمدافعة المسلمين، فهزمت وردت إلى أعقابها (١).
* * *
تولى الحكم المستنصر الملك، حسبما أسلفنا، وهو كهل في الثامنة والأربعين من عمره، ولم يكن إلى ذلك الحين قد أنجب ولداً، وكان ذلك مما يثير قلقه وجزعه، إذ كان يتوق أن يكون له وريث في الملك. ومن ثم فقد سر أيما سرور حينما ولدت له حظيته " جعفر " أو صبح النافارية، ولداً سماه عبد الرحمن (سنة ٣٥١ هـ - ٩٦٢ م)، وكان مولده حادثاً خطيراً، نوهت به الشعراء والأدباء.
ولكن هذا الولد توفي طفلا، فحزن الحكم لفقده أيما حزن. على أن القدر لم يلبث
(١) المقتبس - قطعة أكاديمية التاريخ ص ٢١٨ و٢١٩ و٢٣٤ - ٢٣٧.