للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأندلسية، هي ازدهار العلوم والآداب أعظم ازدهار، وإنشاء المكتبة الأموية العظيمة، التي كانت بضخامتها، وتنوع محتوياتها، من أعظم مكتبات العصور الوسطى.

ويرجع ذلك قبل كل شىء إلى شخصية الحكم نفسه، وإلى صفاته العلمية الممتازة، التي نوه بها أكثر من مؤرخ أندلسي، وإلى شغفه العظيم بجمع الكتب، وهو شغف كان له أكبر الأثر في ملىء خزائن الأندلس بنفائس الكتب، من كل فن ومن كل قطر، من أقطار العالم الإسلامي.

وقد أشاد ابن حيان مؤرخ الأندلس - وقد عاش قريباً من عصر الحكم - بصفات الحكم العلمية، وتقدمه في العلوم الشرعية، وعنايته بتحقيق الأنساب وتأليف قبائل العرب، واستدعاء رواة الحديث من جميع الآفاق، وإيثار مجالس العلماء، وشغفه بجمع الكتب بصورة لم يسمع بها (١). ويشاطره معاصره الفيلسوف ابن حزم، هذا الإعجاب بصفات الحكم العلمية، ويذكر لنا في أكثر من موضع من مؤلفه الجامع في الأنساب، أنه ينقل من خط الحكم (٢). ويجمل ابن الخطيب هذه الصفات في قوله: " وكان رحمه الله (أى الحكم) عالماً فقيهاً بالمذاهب، إماماً في معرفة الأنساب، حافظاً للتاريخ، جماعاً للكتب، مميزاً للرجال من كل عالم وجيل، وفي كل مصر وأوان، تجرد لذلك، وتهمم به، فكان حجة وقدوة، وأصلا يوقف عنده " (٣).

وقد انتهت إلينا تفاصيل مدهشة عن الدور العظيم الذي قام به الحكم في إنشاء المكتبة الأموية الكبرى. وكانت هذه النزعة الأموية، إلى تشجيع العلوم والآداب وجمع الكتب، قد بدت منذ عصر عبد الرحمن الداخل. وفي عهد الأمير محمد ابن عبد الرحمن كانت المكتبة الأموية بالقصر، أعظم مكتبات قرطبة. وكان عبد الرحمن الناصر يشغف بجمع نفائس الكتب من سائر الآفاق، حتى أن قيصر


(١) الحلة السيراء، نقلا عن ابن حيان ص ١٠١ و١٠٢.
(٢) جمهرة أنساب العرب لابن حزم (القاهرة) ص ٢٨١ و٢٨٢ و٢٩٢ و٣٧٤ و٣٧٥ و٣٨٤، ٣٩٨. وقد وضع الحكم بالفعل كتاباً في " أنساب الطالبيين والعلويين القادمين إلى المغرب " (نفح الطيب ج ٢ ص ٧٩).
(٣) أعمال الأعلام ص ٤١.

<<  <  ج: ص:  >  >>