للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قسطنطينية حينما أرسل إليه سفارته الشهيرة، حرص على أن يهديه كتابين من ذخائر الأقدمين هما كتاب ديسقوريدس عن الأعشاب الطبية وتاريخ أورسيوس.

ولما توفي الناصر، عنى ولده الحكم بجمع مكتبات القصر وتنظيمها، لتكون بداية طيبة للمكتبة الأموية العظيمة، التي أنفق بقية عمره في جمعها وتنسيقها (١).

ويقول لنا ابن حيان في دهشة وإعجاب إنه " لم يسمع في الإسلام بخليفة، بلغ مبلغ الحكم في اقتناء الكتب والدواوين، وإيثارها والتهمم بها. أفاد على العلم، ونوه بأهله، ورغب الناس في طلبه، ووصلت عطاياه وصلاته إلى فقهاء الأمصار النائية". وكان الحكم يبعث إلى أكابر العلماء المسلمين من كل قطر، بالصلات الجزيلة، للحصول على النسخ الأولى من مؤلفاتهم. ومن ذلك أنه بعث إلى أبي الفرج الأصفهاني ألف دينار من الذهب العين، ليحصل منه على نسخة من كتابه "الأغاني". فأرسل إليه منه نسخة حسنة منقحة، قبل أن يحصل عليه أحد في العراق أو ينسخه أحد منهم، وأرسل إليه أبو الفرج أيضاً - وهو ممن ينتمون إلى المروانية بني أمية - كتاباً ألفه في أنساب قومه بني أمية، يشيد فيه بمجدهم ومآثرهم، فجدد له الحكم الصلة الجزيلة (٢). وفعل الحكم مثل ذلك مع القاضي أبي بكر الأبهري المالكي، إذ بعث إليه بمبلغ جليل ليحصل على النسخة الأولى من شرحه لمختصر ابن عبد الحكم. وأسبغ الحكم رعايته على اللغوي الكبير أبى علي القالي، الذي وفد من العراق على أبيه الناصر، وقربه إليه، وألف كتبه تحت كنفه، وأورث أهل الأندلس علمه (٣). وأهدى إليه أبو عبد الله الخشني بعض كتبه ومنها كتاب "القضاة" أو "قضاة قرطبة" (٤)، وأهدى إليه مطرف ابن عيسى الغساني، كتابه المسمى بالمعارف في " أخبار كورة إلبيرة "، كما أهدى إليه كثير من علماء العصر مؤلفاتهم، تيمناً برعايته للعلم والعلماء. وكان للحكم طائفة من مهرة الوراقين بسائر البلاد، ولاسيما في بغداد والقاهرة ودمشق، ينقبون له عن الكتب، ويحصلون منها على النفيس والنادر، كما كانت له في بلاطه طائفة


(١) J.Ribera: Disertaciones y Opusculos (Madrid ١٩٢٨) p. ١٩١ & ١٩٢
(٢) الحلة السيراء - عن ابن حيان ص ١٠٢.
(٣) ابن خلدون ج ٤ ص ١٤٦.
(٤) راجع كتاب قضاة قرطبة للخشني (المقدمة).

<<  <  ج: ص:  >  >>