للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السابعة والعشرين من عمره، حينما أراد الخليفة الحكم أن يعين مشرفاً لإدارة أملاك ولده عبد الرحمن، ورشحه الحاجب جعفر فيمن رشح لتولي هذا المنصب، وأعجبت صبح بذكائه وحسن روائه، وظرف شمائله، فاختارته دون غيره، وعين بمرتب قدره خمسة عشر ديناراً في الشهر، وذلك في أوائل سنة ٣٥٦ هـ (٩٦٧ م) (١) , ولما توفي عبد الرحمن طفلا، عين مشرفاً لإدارة أملاك أخيه هشام. وتقدم في وظائف الدولة بسرعة. فأضيف إليه النظر على الخزانة العامة.

وعلى أمانة دار السِّكة، ثم عين للنظر على خطة المواريث (٣٥٨ هـ)، فقاضياً لكورة إشبيلية ولبلة. ثم عينه الحكم مديراً للشرطة الوسطى (٣٦١ هـ) , وفي أواخر أيامه عينه ناظراً على الحشم (الخاص). ويقدم إلينا ابن حيان وظائف ابن أبي عامر في أواخر أيام الحكم على النحو الآتي: صاحب الشرطة الوسطى، والمواريث، وقاضي إشبيلية، ووكيل الأمير أبي الوليد هشام، وكان عندئذ يلقب " بفتى الدولة " (٢).

وهكذا وصل محمد بن أبي عامر إلى أرفع وظائف الدولة والقصر في أعوام قلائل. ويرجع الفضل في تقدمه بتلك السرعة، أولا إلى مواهبه وكفاياته الباهرة، ثم يرجع بالأخص إلى عطف صبح وحمايتها له. وقد انتهى هذا العطف غير بعيد إلى النتيجة الطبيعية. كانت صبح امرأة حسناء، لا تزال في زهرة العمر، وما زال قلبها يضطرم حباً وجوى، وكان سيدها الحكم قد أشرف على الستين، وهدمه الإعياء والمرض؛ أما ابن أبي عامر فقد كان فتى في نضرة الشباب، وسيم المحيا، حسن القد والتكوين، ساحر الخلال، وكان من جهة أخرى يفتن في خدمة صبح وإرضائها، ولا ينفك يغمرها بنفيس الهدايا والتحف، حتى لقد أهداها ذات مرة نموذج قصر من الفضة، بديع الصنع والزخرف، أنفق عليه مالا عظيماً، ولم ير مثله من قبل بين تحف القصر وذخائره، وشهده أهل قرطبة حين حمل من دار ابن أبي عامر إلى القصر، فكان منظراً يخلب اللب، ولبثوا


(١) البيان المغرب ج ٢ ص ٢٦٧. وينقل إلينا المقري رواية أخرى عن اتصال ابن أبي عامر بصبح، خلاصتها أنه كان يجلس في دكان عند باب القصر، ليكتب للخدم والمترافعين للسلطان، إلى أن طلبت صبح من يكتب عنها، فعرفها به بعض من كان يأنس الجلوس إليه من فتيان القصر: فاستحسنت كتابته، وعينته أميناُ لبعض شئونها (نفح الطيب ج ١ ص ١٨٧).
(٢) المقتبس - قطعة أكاديمية التاريخ - ص ١٠٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>