فلما توفي الحكم المستنصر، وأسندت الخلافة إلى ولده الطفل هشام، اتخذت الأمور وضعاً جديداً، ينذر بتطورات جديدة. وقد رأينا أي دور قام به ابن أبي عامر عندئذ، من الانضمام إلى الحاجب جعفر في معارضة الفتيان الصقالبة، ومقتل مرشحهم للخلافة، المغيرة بن عبد الرحمن الناصر.
* * *
وهكذا تحقق مشروع الحكم بجلوس ولده هشام، وتحقق مشروع الثلاثة ذوي السلطان من بعده، وكان طبيعياً أن تحرص صبح على تولية ولدها لتحكم باسمه، وكان طبيعياً كذلك أن يؤازر ابن أبي عامر صاحبته المحسنة إليه، ليستمر بواسطتها محتفظاً بسلطانه ونفوذه. أما الحاجب جعفر فقد كان له مثل ذلك الباعث في تولية هشام، إذ كان يخشى من تولية المغيرة، وأوليائه الصقالبة، على نفسه وعلى سلطانه. وهكذا جمعت البواعث والغايات المشتركة بين أولئك الثلاثة، الذين قدر لهم أن يسيطروا على تراث الخلافة الأموية. ولكن هذا التحالف الذي أملته الضرورة المؤقتة، لم يكن طبيعياً ولا سيما بين الحاجب جعفر، ومنافسه القوي محمد بن أبي عامر. وكانت العلائق بين صبح وابن أبي عامر، تزداد كل يوم توثقاً، ولا سيما منذ وفاة الحكم. وكان ابن أبي عامر، يرى في تلك المرأة، التي تجتمع في يدها السلطة الشرعية، بوصايتها على ولدها الطفل، أداة صالحة هينة، يستطيع أن يخضعها لإرادته، ويسخرها لمعاونته، على تحقيق مشاريعه البعيدة المدى. وكانت صبح من جانبها تغدق كل عطفها وثقتها، على هذا الرجل القوي الذي سحرها بخلاله، وقوة نفسه، وباهر كفاياته، وتضع فيه كل أملها لحماية العرش الذي يشغله ولدها الفتى، فلم تمض أيام قلائل على تولية هشام، حتى عين حاجب أبيه جعفراً المصحفي حاجباً له، ورقى في نفس الوقت ابن أبي عامر من خطة الشرطة إلى مرتبة الوزارة، وجعله معاوناً للمصحفي في تدبير دولته (١). وبذلك أشرك ابن أبي عامر، في تولي السلطة المباشرة مع المصحفي، ولم يعترض أحد من رجال القصر أو الدولة على ذلك الاختيار، سوى الحاجب جعفر، فقد كان يرى في هذا التعيين انتقاصاً لسلطته، ونكراناً لجميله، بعد أن حمل أعباء السلطة كلها دهراً. وكان يرى في ابن أبي عامر بالأخص منافساً يخشى