للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ميورقة فمات هناك، وانهار بذلك سلطان الصقالبة، وأمن الحاجب وزميله ابن أبي عامر شرهم، وتقلد الحاجب جعفر أمر القصر والحُرم بدلا منهم.

ويبدي ابن حيان ارتياحه لسحق الصقالبة واستئصال شأفتهم على هذا النحو.

وقد كان الصقالبة في البداية زينة للدولة والبلاط، وكان ظهورهم بجموعهم المتألقة وأزيائهم الفخمة، يسبغ على القصر، وعلى مواكب الخلافة، طابعاً من الأبهة والعظمة. ولكنهم منذ استأثروا بثقة الخليفة، وبسطوا سلطانهم على القصر والدولة، اشتد طغيانهم، وثقلت وطأتهم على أهل الدولة، وعلى الشعب قاطبة (١).

وسنحت بعد ذلك بقليل فرصة أخرى، لكي يوطد ابن أبي عامر قدمه في السلطة، ويبسط نفوذه على الجيش عصب كل سلطان حقيقي. وذلك أن القشتاليين، كانوا قد انتهزوا فرصة مرض الحكم، وانشغال المسلمين عقب وفاته، فدفعوا غاراتهم جنوباً، ووصلوا إلى مقربة من العاصمة ذاتها، ولم يبد الحاجب في ذلك، ما كان واجباً من الهمة والنجدة، فاهتم ابن أبي عامر، وأشار إلى الحاجب جعفر بتجهيز الجيش واستئناف الجهاد؛ ولكن الحاجب لم يجد من القادة من يعهد إليه بتلك المهمة، فتقدم ابن أبي عامر للاضطلاع بها، وجهز المال والجند، وأشرف بنفسه على اختيار الجند. وخرج من قرطبة في رجب سنة ٣٦٦ هـ (فبراير ٩٧٧ م)، وسار شمالا إلى أراضي قشتالة، ثم عطف غرباً حتى أحواز شلمنقة، وحاصر حصن الحامة، ومكانه اليوم محلة تسمى بالإسبانية " لوس بانيوس " Los Banos ( الحمامات)، وتقع في جنوب بلدة (بخار) في السفح الغربي لجبال جريدوس، ثم استولى على الحصن وربضه، وقفل راجعاً إلى قرطبة، مثقلا بالأسرى والغنائم، وذلك لثلاثة وخمسين يوماً من خروجه إلى الغزو (٢).

وكان لهذا الظفر الحربي الأول، الذي حقق على يد ابن أبي عامر، أكبر الأثر في نفوس الجند، ونفوس الشعوب قاطبة، فقد رأى الجند فيه قائدهم المظفر، وقد استولى على قلوبهم ببذله ووفرة عطائه، ورأى فيه الشعب حامي المملكة والمدافع عنها، وكان لهذه البداية نتائج بعيدة المدى.

ولم تمض أسابيع قلائل على ذلك حتى تأهب ابن أبي عامر للسير إلى غزوته


(١) البيان المغرب ج ٢ ص ٢٨٠ و٢٨١. والذخيرة القسم الرابع المجلد الأول ص ٤٤.
(٢) الذخيرة القسم الرابع المجلد الأول ص ٤٥. والبيان المغرب ج ٢ ص ٣٨٢. وكذلك Dozy: Hist. Vol. II. p. ٢٠٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>