للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثانية؛ وكانت قد وقعت ثمة ظروف جديدة زادت في توطيد مركزه، وفي إضعاف مركز الحاجب جعفر. وكان بين الحاجب، وبين القائد غالب بن عبد الرحمن صاحب مدينة سالم، وأعظم فرسان الأندلس، عداء مستحكم، زاده ما تقوّل به الحاجب على غالب، من تقصيره في الدفاع عن الحدود الشمالية، وعجزه عن رد النصارى، فانتهز ابن أبي عامر هذه الفرصة ليضم غالباً إلى جانبه، وسعى إلى خدمته والدفاع عنه لدى صبح، ولدى الخليفة، حتى خرج المرسوم برفعه إلى خطة " ذي الوزارتين "، وبأن يندب لقيادة جيش الثغر، وأن يندب ابن أبي عامر لقيادة جيش الحضرة. وخرج ابن أبي عامر على أثر ذلك بالجيش إلى غزوته الثانية، وذلك في يوم عيد الفطر سنة ٣٦٦ هـ (مايو ٩٧٧ م)، فالتقى بغالب وجيشه في محلة مجريط (١) على طريق وادي الحجارة، واخترق الجيشان معاً أراضي قشتالة القديمة، واستولى المسلمون على حصن مولة، وأصابوا كثيراً من الغنائم والسبي. وكان لجيش غالب التفوق في الأعمال الحربية في تلك المنطقة، ولكن غالباً تنحى عن ذلك لابن أبي عامر، وارتد بجيشه إلى الثغر، بعد أن توثق بينهما التحالف، والتفاهم على سحق الحاجب جعفر عدوهما المشترك؛ وقفل ابن أبي عامر إلى قرطبة بالغنائم والسبي، وقد نسب إليه فخر الظفر على الأعداء، فزاد صيته، وارتفعت هيبته، وتمكنت منزلته لدى الخليفة، وازداد الشعب حوله التفافاً وله حباً (٢).

وهنا بدت طلائع المعركة الحاسمة بين ابن أبي عامر وجعفر المصحفي.

فما كاد ابن أبي عامر يصل إلى قرطبة، حتى خرج أمر الخليفة بعزل محمد بن جعفر ولد الحاجب عن حكمها، وتقليده لابن أبي عامر، وبذلك تم لابن أبي عامر السيطرة على المدينة والجيش معاً. وكانت قرطبة تعاني قبل توليه حكمها من اضطراب الأمور، واختلال الأمن، وذيوع الفساد والفسق، فضبط أمرها وقمع أهل الشر والدعارة، فساد بها الهدوء والأمن. ثم استخلف ابن أبي عامر على حكم المدينة ابن عمه عمرو بن عبد الله بن أبي عامر. فسار في طريقته، في


(١) هي محلة وقلعة حصينة أنشأها الأمير محمد بن عبد الرحمن فوق سفح جبال وادي الرملة على مقربة من طليطلة لصد غارات النصارى. ولبثت تؤدي مهمتها الدفاعية، حتى سقطت في أيدي النصارى في سنة ٤٧٦ هـ (١٠٨٣ م). وعلى موقعها القديم أنشئت مدينة مدريد الحديثة.
(٢) الذخيرة - القسم الرابع ج ١ ص ٤٦ و٤٧، والبيان المغرب ج ٢ ص ٢٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>