للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

انتهاج الحزم والشدة في ضبط الأمور، ومطاردة أهل البغي والعدوان. كل ذلك والحاجب جعفر، يشهد سلطانه يغيض شيئاً فشيئاً، وسلطان ابن أبي عامر في صعود وتمكن مستمر، ويشهد انصراف الخليفة والشعب عنه، ويشعر في قرارة نفسه بدنو الخاتمة المحتومة.

وخطر للحاجب جعفر أن يقف هذا التحول الخطر، باستمالة القائد غالب ومصالحته، فطلب يد ابنته أسماء زوجاً لابنه محمد، فاستجاب غالب إلى طلبه، وكادت تتم المصاهرة، ولكن سرعان ما علم ابن أبي عامر بذلك المشروع، فثارت نفسه، وكتب إلى غالب يناشده الولاء، ويخطب ابنته لنفسه، وعضده في ذلك أهل القصر، فنزل غالب على تلك الرغبة، وعدل إلى مصاهرة ابن أبى عامر، وتم العقد في أوائل المحرم سنة ٣٦٧ هـ (٩٧٧ م). ولم يمض قليل على ذلك حتى خرج ابن أبي عامر إلى غزوته الثالثة، فسار إلى طليطلة في أوائل صفر، حيث التقى مع صهره غالب. وسار الإثنان في قواتهما شمالا، وافتتحا في طريقهما بعض الحصون، ثم قصدا إلى مدينة شلمنقة الواقعة جنوب غربي مملكة ليون فاقتحماها، وعاثا في أرباضها، واستوليا على كثير من الغنائم والسبي؛ وعاد ابن أبي عامر إلى قرطبة لأربعة وثلاثين يوماً فقط من خروجه، ومعه عدد عظيم من رؤوس النصارى. فاغتبط الخليفة بصنعه، ورفعه إلى خطة الوزارتين أسوة بصهره غالب، ورفع راتبه إلى ثمانين ديناراً في الشهر، وهو راتب الحجابة في ذلك العصر.

وما كاد ابن أبي عامر يستقر في قرطبة، حتى اتخذت الأهبة لإتمام زفافه.

فأحضرت أسماء إلى العاصمة في موكب فخم، وكانت من أجمل نساء عصرها وأوفرهن ثقافة وسحراً، وكانت قد تزوجت لأول مرة بالوزير ابن حُدير أيام الحكم، ثم طلقت منه. وزفت أسماء إلى ابن أبي عامر، في حفلات كانت مضرب الأمثال في البذخ والبهاء، ونظم الاحتفال في قصر الخليفة، وبإشراف أمه صبح، وأغدقت صبح على العروس أروع الهدايا والتحف. وكان زواجاً سعيداً موفقاً لبث مدى الحياة (١)، وإن كان غالب قد خرج بعد ذلك بأعوام قلائل على صهره حسبما نفصل بعد.


(١) الذخيرة القسم الرابع المجلد الأول ص ٤٦ و٤٧، والبيان المغرب ج ٢ ص ٢٨٤ و٢٨٥، ونفح الطيب ج ١ ص ١٨٧. وراجع أيضاً. Dozy: Hist. Vol. II. p. ٢١٤ & ٢١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>