للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المنصور أن يعتمد على البربر بالأخص، لما كانوا يتصفون به من البداوة والشجاعة، فاستقدمهم من العدوة، ورغبهم بوفرة البذل والعطاء (١). وكذلك استخدم المرتزقة من النصارى الإسبان، ومنحهم الأجور والجرايات السخية؛ وكان يجمع في جيشه الكثير منهم، ومعظمهم من المستعربين، وكان يحرص على رضائهم بتوسيع النفقة عليهم، معاملتهم بالمساواة والرفق (٢). واستطاع المنصور بما وضعه للجيش من أنظمة محكمة، وما أفاض عليه من وافر النفقة والعدد، أن ينشىء للأندلس قوة عسكرية عظيمة، لم تعرفها في أية عهد آخر. وكانت هذه القوة فضلا عن كونها دعامة سلطانه وحكمه، دعامة الأندلس وأداتها للدفاع والغزو.

ونستطيع أن نقدر أهمية الجيش الأندلسي وكفايته أيام المنصور، متى ذكرنا أن المنصور لبث زهاء ربع قرن، يقود قواته إلى الغزو المستمر، في أراضي الممالك النصرانية، كل ربيع وكل صيف، وأنه في نفس الوقت كان يبعث الحملات العسكرية العظيمة إلى المغرب، لتخوض سلسلة من الحروب الطاحنة. وقد بلغ من كثرة قوى الجيش النظامية وكفايتها، أن أصدر المنصور في سنة ٣٨٨ هـ (٩٩٨ م) أمره بإعفاء الناس من إجبارهم على الغزو، اكتفاء بعدد الجيش المرابط، وقرأ الخطباء ذلك المرسوم على الناس، إثر قراءة كتب الفتح، وعرفوا فيه " بأن من تطوع خيراً، فهو خير، ومن خف إليه، فمبرور ومأجور، ومن تثاقل فمعذور " (٣).

وقد أورد لنا ابن الخطيب (عن التيجاني) بعض الإحصاءات الهامة عن جيش المنصور، فذكر لنا أن الجيش المرابط (الثابت) بلغ في عهده من الفرسان اثنى عشر ألف ومائة فارس من سائر الطبقات، جميعهم مرتزقون في الديوان، يصرف لهم السلاح والنفقة والعلوفة. وكان عدد الحرس الخاص ستمائة فارس غير الأتباع. وانتهى عدد الرجالة في الجيش المرابط إلى ستة وعشرين ألف راجل.

وكان عدد الجيش المرابط يتضاعف وقت الصوائف بما ينضم إليه من صفوف المتطوعة. وقد بلغ عدد الفرسان في بعض الصوائف ستة وأربعين ألفاً، وكان عدد المشاة يتضاعف كذلك، وقد يبلغ المائة ألف أو تزيد.


(١) البيان المغرب ج ٢ ص ٢٩٩ و٣١٥ و٣١٦.
(٢) Simonet: Historia de los Mozarabes de Espana (Madrid ١٨٩٧) p. ٦٣٠.
(٣) أعمال الأعلام ص ٦٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>