للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأورد لنا ابن الخطيب أيضاً، بيانات مفصلة مما كان يقتنيه المنصور من عتاق الخيل برسم الجهاد، ومطايا الركوب، ودواب الحمل، وقد بلغت وحدها أربعة آلاف جمل خصصت لحمل الأثقال.

وأما عن عُدة الحرب، فقد كان المنصور يحتفظ بكميات عظيمة من الخيام والسهام والدروع، والتراس، وعدد من المجانيق وغيرها من آلات الحصار (١).

وكان المنصور يضطرم شغفاً بالجهاد في سبيل الله، وكانت غزواته التي زادت على الخمسين، فضلا عن كونها عنوان هذا الجهاد المستمر، ترمي إلى غاية عسكرية وسياسية فطنة، هي تحطيم قوى اسبانيا النصرانية، وردعها بذلك عن العدوان على أراضي المسلمين. وقد تحققت هذه الغاية في أواخر عهد المنصور على أكمل وجه. وقد عنى مؤرخ الأندلس الكبير ابن حيان - وقد عاش قريباً من ذلك العصر - بتفصيل هذه الغزوات في مؤلف ضخم سماه " بالمآثر العامرية " واستخرجه من تاريخه الكبير " المقتبس " (٢). وكان من نتائج هذه الغزوات أن امتلأت الأندلس في عصر المنصور بالغنائم والسبي من بنات الإسبان وأولادهم ونسائهم، وتغالي الناس في تجهيز بناتهم بالثياب والحلي والمال، وذلك لرخص بنات الإفرنج وركود سوق الزواج (٣).

وبلغ من شغف المنصور بالجهاد، أنه كان يتولى القيادة بنفسه في سائر غزواته الصائفة والشاتية، ولم يقعده شىء عن القيادة، والإشتراك الفعلي في كثير من المعارك، حتى أننا نراه في آخر غزواته يتولى القيادة بالرغم من مرضه، ويسير محمولا على محفة، ثم يقضي نحبه عقب الغزو، بين يدي جنده وفي معقل الثغر، بعيداً عن قصوره، ومهاد راحته ونعمائه. وكان يحرص في سائر غزواته، على أن يستخلص ما يعلق بوجهه أو ثيابه من الغبار، أثناء المعارك التي يخوضها، فكان يمسحه بمناديل اجتمعت له منها رزمة كبيرة، كان يحملها معه دائماً، حتى


(١) أعمال الأعلام ص ٩٩ و١٠١ و١٠٢.
(٢) جذوة المقتبس للحميدي (القاهرة ١٩٥٢) ص ٧٤، والحلة السيراء ص ١٤٩، والمعجب لعبد الواحد المراكشي ص ٢١. وذكر لنا ابن الخطيب اسم هذا المؤلف كاملا وهو: " أخبار الدولة العامرية المنسوخة بالفتنة البربرية وما جرى فيها من الأحداث الشنيعة " كما ذكر لنا أنه يحتوي على أكثر من مائة سفر (أعمال الأعلام ص ٩٨).
(٣) المعجب ص ٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>