إذا وافته المنية ضمت إلى أكفانه، ودفنت معه تنفيذاً لوصيته (١).
ومما يؤثر عن علائق المنصور بجيشه، أنه كان لقوة ذاكرته، يعرف كثيراً من جنده بالإسم, أو يعرف على الأقل كثيراً ممن امتاز منهم خلال المعارك بالإقدام والشجاعة، ويدعوهم إلى مائدته في المآدب الكبيرة، التي اعتاد أن يقيمها لجنده عقب كل انتصار.
بيد أننا نستطيع أن نلاحظ بعد كل ذلك، أن سياسة المنصور العسكرية وغزواته المتوالية المظفرة، وإن كانت في الأصل تنطوي على غاية عسكرية وسياسية بعيدة المدى، هي سحق اسبانيا النصرانية، لم تؤت ثمارها إلا في حيز ضيق، هو ردع اسبانيا النصرانية، وكف عدوانها عن الأراضي الإسلامية، ولم تقصد بالفعل إلى الغاية الحاسمة، وهي القضاء على قوة اسبانيا النصرانية وسحقها بصورة نهائية، وهي غاية قصرت سياسة اسبانيا المسلمة عن العمل لها منذ البداية، ومن ثم فقد استطاعت الممالك الإسبانية النصرانية، أن تعيش، وأن تنمو قواها تباعاً، وأن تغدو بمضي الزمن، مناوئاً خطراً لاسبانيا المسلمة، يستغرق قواها باستمرار، ويشغلها في كفاح مدمر مستمر.
وهنا، وعلى ضوء هذا الكفاح العقيم الذي استمر أجيالا بين اسبانيا المسلمة واسبانيا النصرانية، لا نرى مندوحة، من أن نحكم على سياسة الصوائف أو الغزوات الإسلامية العارضة، التي كانت تقليداً عسكرياً إسلامياً، في معظم الدول الإسلامية المتاخمة للدول النصرانية، فنقول إنها كانت من الناحية العسكرية تقوم على أسلوب خاطىء، وقد كانت تنهك الجيوش الإسلامية بقدر ما تنهك جيوش العدو، ولم يكن لها غاية محدودة مستقرة. وليس أدل على ذلك من تاريخ الصوائف أو الغزوات الإسلامية الموسمية أيام الدولة العباسية في أراضي الدرلة البيزنطية، فقد كان معظمها حملات غازية تقصد إلى العيث في أرض العدو، وإلى إحراز الغنائم المؤقتة الإقليمية وغيرها، ولم تنجح في تحطيم قوى الدولة البيزنطية أو سحقها. وقد كان عقم هذه الغزوات العارضة أشد وأوضح في الأندلس، حيث لبثت الدولة الأندلسية، إبان قوتها وتفوقها، عصوراً، تقتصر على الصوائف وما إليها من الغزوات الموسمية برسم الجهاد أو الانتقام من العدو،