للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان من أخص جلسائه الأدباء، الكاتب البغدادي، أبو العلا صاعد ابن الحسن. وكان قد وفد من المشرق على الأندلس سنة ٣٨٠ هـ، والمنصور في أوج سلطانه، فأراد المنصور أن يجعل منه قريناً لأبى علي القالي، الوافد من قبل على الناصر والحكم، فقربه وأذن له أن يجلس بجامع مدينة الزاهرة، يملي كتابه المسمى " بالفصوص " على أدباء قرطبة، وهو كتاب في الآداب والأخبار والأشعار، ولكن أدباء قرطبة أنكروا ما ورد فيه، وكذبوه في كثير مما يلقيه، وفضحوا كثيراً من سرقاته الأدبية والشعرية (١). ومع ذلك فقد كان صاعد أديباً بارعاً، خفيف الروح، متوقد الذهن، حاضر البديهة، وكان يأتي بكثير من غريب الشعر بداهة، فأعجب به المنصور، وأولاه رعايته، وألحقه بديوان الندماء، وأجرى عليه راتباً حسناً؛ وكان بهذا الديوان بعض أدباء العصر مثل زيادة الله بن مضر الطبني، وابن العريف، وابن التياني، وغيرهم. وغدا صاعد شاعر المنصور ينظم له المدائح والطرف، ويصطحبه المنصور في نزهاته برياض الزاهرة، وينظمه في مجالس أدبه وأنسه. وقد أورد لنا ابن بسام وصفاً مسهباً لهذه المجالس الأدبية، التي يجتمع فيها المنصور بخلانه وندمائه ومنهم صاعد، وأورد لنا كثيراً مما قيل فيها من النظم. وقد كان بعض الفتيان الصقالبة من بطانة المنصور، يأخذ بقسط حسن من الشعر والأدب، ويغشى مجالس المنصورالأدبية ويشترك في المطارحات الشعرية، وكان من أشهرهم الفتى فاتن، وكان من أبرع العارفين منهم باللغة والأدب. وقد كان للفتيان الصقالبة في الواقع تراث من الشعر والأدب، واشتهروا بذلك أيام المنصور خاصة، وأصدر أحدهم في ذلك كتاباً سماه " الإستظهار والمغالبة على من أنكر فضل الصقالبة "، ضمنه كثيراً من أشعارهم ونوادر أخبارهم (٢).

ولبث صاعد على مكانته حتى وفاة المنصور، ومن بعده حتى نهاية الدولة العامرية، ثم أفل نجمه بعد ذلك، وساءت أحواله عند ظهور الفتنة، فغادر الأندلس متخفياً في سنة ٤٠٣ هـ، وجاز البحر إلى صقلية، واتصل بأميرها فأولاه رعايته، وحسنت حاله، وكانت وفاته بها في سنة ٤١٠ هـ.


(١) الصلة لابن بشكوال (طبعة القاهرة) رقم ٤٠.
(٢) راجع الذخيرة. القسم الرابع المجلد الأول ص ٧ - ٢٢، والمعجب ص ١٦ و١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>