للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أب منقطع القرين، وصنو معدوم الغريم، ومن كان المنصور أباه، والمظفر أخاه، فلا غرو أن يبلغ في سبيل الخير مداه، ويحوي من حلل المجد ما حواه، مع أن أمير المؤمنين أكرمه الله بما طالعه من مكنون العلم، ووعاه من مخزون الأثر، أمل أن يكون ولي عهده القحطاني، الذي حدّث عنه عبد الله بن عمرو ابن العاص، وأن يتحقق به ما أسنده أبو هريرة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ألا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه. فلما استوى له الاختبار، وتقابلت عنده فيه الآثار، ولم يجد عنه مذهباً، ولا إلى غيره معدلا، خرج إليه من تدبير الأمر في حياته، وفوض إليه النظر في الخلافة بعد مماته، طائعاً راضياً، ومجتهداً متخيراً، غير محاب له، ولا مائل له بهواه، ولا مترك نصح الإسلام وأهله فيه. وجعل إليه الاختيار لهذه الأمة بولاية عهده فيها، وأمضى أمير المؤمنين أعزه الله، عهده هذا، وأنفذه، وأجازه، وبتله، لم يشترط فيه مثنوية ولا خياراً، وأعطى على الوفاء بذلك في سره وجهره، وقوله وفعله، عهد الله وميثاقه وذمة نبيه - صلى الله عليه وسلم - وذمة الخلفاء الراشدين من آله وآبائه، وذمة نفسه، بأن لا يبدل ولا يغير، ولا يحول ولا يتأول.

وأشهد على ذلك الله وملائكته، وكفي بالله شهيداً. وأشهد عليه من أوقع اسمه في هذا الكتاب. وهو - أعزه الله - جائز الأمر، ماضي القول والفعل، بمحضر من ولي عهده المأمون ناصر الدولة أبي المطرف عبد الرحمن بن المنصور - وفقه الله - وقبوله لما قلده، والتزامه ما ألزمه، وذلك في شهر ربيع الأول سنة ٣٩٩ " (١).

* * *

وعلى أثر صدور هذا المرسوم الفذ في تاريخ الخلافة الإسلامية، خرج عبد الرحمن في موكب عظيم من الوزراء والقادة وأكابر أهل الدولة، إلى قصر الزاهرة وهو " يختال في ثوب الخلافة، يحسب أنها له نحلة، وأنه مستحق لها، وخليق بها " (٢). وأقبل عليه المهنئون من الوزراء ورجال الدولة، يتكلفون البشر، والدعاء له بما أكرمه الله به، وقلوبهم تفيض إنكاراً وسخطاً، وأنفذت


(١) ورد نص هذا المرسوم في أعمال الأعلام ص ٩١ - ٩٣؛ ونفح الطيب ج ١ ص ١٩٨ و١٩٩؛ وابن خلدون ج ٤ ص ١٤٩؛ والبيان المغرب ج ٣ ص ٤٤ - ٤٦؛ وقد اتبعنا نحن بالأخص النص الوارد في أعمال الأعلام لأنه أوفاها وأصحها.
(٢) البيان المغرب عن ابن عون الله ج ٣ ص ٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>