إلى قرطبة كتب من أهل الثغور يعتذرون فيها عن عجزهم عن إرسال الأمداد، وينصحون المؤيد إما بمصالحة البربر، أو التفاوض مع أمير قشتالة؛ فكتب هشام إلى زاوي بن زيري يحثه على عقد الصلح، ويعده بما شاء من مال أو ولاية، فرد زاوي بأنه لايستطيع مخالفة أصحابه، وأنه مع ذلك لايدخر وسعاً في العمل لتأليف كلمة المسلمين وحقن الدماء (١).
ثم بذلت محاولة مماثلة لدى سليمان بن الحكم والبربر، إذ كتب أهل قرطبة على لسان هشام وابن مناو كتابين، وجه أحدهما من هشام إلى سليمان، وفيه يرجو العمل على إخماد الفتنة، وتسليم الأمر إليه، وعلى أن يغدو سليمان ولي عهده والقائم بأعباء الخلافة عنه، ووجه الثاني من وزراء قرطبة إلى وزراء البربر، فلم يحفل سليمان بكتاب هشام، وقال للرسل بل إنه هو أمير المؤمنين والخليفة، وأنه لا يعترف لهشام بصفة ما.
كل ذلك والأمر يشتد على أهل قرطبة. ودخل الوزراء ووجوه الجند والفتيان على هشام، وكشفوا له خطورة الحالة، واشتداد ضغط البربر على المدينة وأرباضها، وتفاقم الضيق والغلاء، وقصور الثغور عن إنجاد المدينة، وكون الشعب منقسم على نفسه ما بين راغب في الكفاح، وراغب في الصلح، فبكى هشام فيما قيل، واعتذر لعجزه وقصوره، وقال لهم افعلوا ما ترون.
وعجل باضطرام النار حادث وقع في آخر ذي الحجة سنة ٤٠٢ هـ، إذ تقدم جماعة من وجوه البربر وفي مقدمتهم حباسة بن ماكسن ابن أخي زاوي، وكان من أشجع قادة البربر، ومعه جماعة قليلة من الفرسان، ونزلوا في بقعة قريبة من الأسوار، فرآهم أهل قرطبة من وراء الخندق، فاجتمع منهم عدد عظيم، وانقضوا على حباسة وصحبه، فدافعوا عن أنفسهم دفاعاً عظيماً، ولكنهم غلبوا في النهاية على أمرهم، وأسر حباسة، فلما عرفه القوم قتلوه بوحشية، وقطعوا جسده إرباً لعظيم حقدهم عليه، ولما قاسوه من شدة قتاله ونكايته، فلما وقف أخوه حبوس وعمه زاوي على الخبر، اضطرب البربر، واستعدوا للقتال، وفي اليوم التالي اشتبكوا مع أهل قرطبة في عدة معارك، وفتكوا بكثير منهم،