وقد رأينا أن سليمان المستعين حينما استرد الخلافة، عقب انتصار البربر على أهل قرطبة، خص علياً والقاسم، بولاية الثغور المغربية، وندب علياً لحكم سبتة، وندب القاسم لحكم الجزيرة الخضراء وطنجة وأصيلا، وذلك في أوائل سنة ٤٠٤ هـ (١٠١٣ م).
وفي الوقت الذي استولى فيه البربر، على الولايات والثغور الجنوبية، كان الفتيان العامريون, منذ اضطرام الفتنة، قد استقروا بشرقي الأندلس، واستولى كثير منهم على الثغور الشرقية، وفي مقدمتهم مجاهد الذي استولى على دانية والجزائر الشرقية فيما بعد، وخيران، الذي استولى على ألمرية ومرسية. وكان خيران حينما استولى محمد بن هشام المهدي على الخلافة للمرة الثانية، بمؤازرة واضح والجند النصارى، وتولى واضح منصب حجابته، قد عاد إلى قرطبة مع نفر من الفتيان العامريين، وانضموا إلى واضح، ثم اشتركوا معه في تدبير اغتيال المهدي، وإعادة هشام المؤيد إلى كرسي الخلافة حسبما تقدم. وكان أولئك الفتيان يعتبرون هشاماً إمام دولتهم بعد ذهاب المنصور. فلما قتل واضح واستولى البربر على قرطبة، وانتزع سليمان المستعين الخلافة من هشام المؤيد، غادر خيران ومعه عدة كبيرة من الفتيان قرطبة، اتقاء بطش البربر، وسار إلى شرقي الأندلس، وانضم إليه حال سيره كثير من الناقمين من بني أمية وغيرهم، ثم زحف على ألمرية، وكانت بيد أفلح الصقلبي، فانتزعها منه، واستولى على كثير من الأماكن المجاورة، واشتد بأسه في تلك الناحية، ودعا لهشام المؤيد.
وكان تمزق الأندلس على تلك الصورة، وانتثار السلطة، بين الأمويين والبربر، والفتيان العامريين، مما يفسح المجال لأطماع الطامعين والمتغلبين، وكانت تلك الأطماع تجيش في الواقع، في صدور أولئك الذين رأوا في ضعف السلطة المركزية، وذيوع الخلاف والفوضى، فرصة يمكن انتهازها. وكان علي ابن حمُّود الحسني، قد ولي حكم سبتة، وولي أخوه الأكبر القاسم، حكم الجزيرة الخضراء، لا يفصلهما سوى مضيق جبل طارق. وكان علي يطمح إلى أكثر من حكم مدينة، ويتطلع إلى الوثوب بحكومة قرطبة المضطربة المتداعية. وكان يرى في الفتيان العامريين خصوم سليمان المستعين حلفاءه الطبيعيين، فكاتب كبيرهم خيران صاحب ألمرية، وأظهر كتاباً زعم أنه تلقاه من الخليفة هشام المؤيد يوليه