للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال إسمعيل بن بدر في مديح الناصر وذكر غزوته للجزيرة الخضراء:

تطوى المراحل إدلاجاً وتنحيرا ... مشمراً في رضى الرحمن شميرا

وبدر الملوك الذي إشراق سنته ... تجلو عن الدين والدنيا الدياجيرا

من قد قضى الله في ماضى شبيبته ... لا يزال على الأعداء منصورا

قال ابن حيان: " والشعر في الناصر لدين الله رحمة الله عليه، كثير جداً، محمول عن فحول يقدمهم ابن عبد ربه، وابن إدريس، ومهند والطبني ونمطهم ... في تجويد صناعتهم بفضل ما ألفوا لديه من التوسعة عليهم، والإحسان إليهم، فكل منهم كمل فيما صاغه فيه ديواناً بذاته، عفى رسومها، وغيض معينها من الليالي وانصرام الدولة، وتسلط الفتن البربرية، والمطاولة على التواريخ الملوكية، التي كانت له قاصمة وجامعة، حتى مزقت كل ممزق بأيدي الجهال، فهل من باقية " (١).

وكان بين وزراء الناصر وحجابه، عدة من أكابر الكتاب والأدباء، مثل الحاجب موسى بن محمد بن حدير، وقد كان من أهل الأدب والشعر، فضلا عن كونه من بيت رياسة وجلالة (٢) وعبد الملك بن جهور، وقد كان وزيراً جليلا، وأديباً وشاعراً محسناً، ومن شعره:

إن كانت الأبدان نائمة ... فنفوس أهل الظرف تأتلف

يارب مفترقين قد جمعت ... قلبيهما الأقلام والصحف (٣)

وكان من أعلام تلك الفترة أيضاً القاضي منذر بن سعيد البلوطي (٢٦٥ - ٣٥٥ هـ)، وكان بارعاً في علوم القرآن والسنة، وظهر فوق ذلك بفصاحته وجزالة شعره. وقد أشرنا فيما تقدم إلى موقفه الخطابي الرائع، في حفل استقبال سفارة قيصر الروم، وما حباه به الناصر من أجل ذلك، من عطف، وتقدير، وتوليه للخطابة والقضاء. ومن مؤلفاته " كتاب الإبانة عن حقائق أصول الديانة ".

وفي عصر الناصر ظهرت حركة دينية، على رأسها أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن مسرّة الجبلي من أهل قرطبة. وكان مولده بها في سنة ٢٦٩ هـ. وقد


(١) ابن حيان في المقتبس - السفر الخامس - مخطوط الخزانة الملكية - لوحات ٢٧ و٣١.
(٢) جذوة المقتبس رقم ٧٨٧.
(٣) جذوة المقتبس رقم ٦٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>