إليك، وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى، أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه ... " الآية. فخوف وحذر، ونهى عن افتراق الكلمة، ونبه على البعد، ونفى الله الخبيث عنها، وفضلها على ساير البلدان، واستقر فيها الدين، كهيئته يوم أكمله الله لعباده. ولما استوسقت الطاعة، وشملت النعمة، وعم الأقطار، بعدل أمير المؤمنين، السكون والدعة، طلعت فرقة لا تبتغي خيراً، ولا تأتمر رشداً، من طغام السواد، ومن ضعف آرايهم، ومن خشونة الأوغاد، كتباً لم يعرفوها، ضلت فيها حلومهم، وقصرت عنها عقولهم، وظنوا أنهم فهموا ما جهلوا، وتفقهوا فيما لم يدركوا، واستولى عليهم الخذلان، وأحال عليهم بخيله ورجله الشيطان، فزينوا لمن لا تحصيل لهم، ولقوم آمنين لا علم عندهم، فقالوا بخلق القرآن، واستيئسوا، وآيسوا من روح الله، ولا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون، وأكثروا الجدل في آيات الله، وحرموا التأويل في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبريت منهم الذمة بقوله تقدست أسماؤه: " ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات الله أنى يصرفون، الذين كذبوا بالكتاب، وما أرسلنا به رسلنا فسوف يعلمون، إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون. في الجحيم ثم في النار يُسجرون. فهذا أبلغ الوعيد، وأفضع النكال، لمن جادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير ثاني عطفه: ليضل عن سبيل الله له في الدنيا خزي، ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق ... " ثم تجاوزوا في البهتان، وسدوا على أنفسهم ألوان الغفران، فأكذبوا التوبة، وأبطلوا الشفاعة، ونالوا محكم التنزيل، وغامض متن التأويل، بتقدير عقولهم: فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة، وابتغاء تأويله، وما يعلم تأويله إلا الله، والراسخون في العلم، يقولون آمنا به، كل من عند ربنا، وما يذكر إلا أولو الألباب. فصاروا بجهل الآثار، وسوء حمل الأخبار إلى القدح في الحديث، وترك نجح السبيل، فأساءوا الفهم عن العوام، وأقدموا بمكروه القول في السلف الصالح، واستبدلوا على نقلة الحديث، ووضعوا من الكتب لوضعها، وتابعوا شهواتهم فيها، وتتابعوا فيما ... وورطهم، ورأوا لتخضع وحشة بحثها لازم الضلالة، وداعية الهلكة، والشذوذ عن مذهب الجماعة، من غير نظر نافذ في دين، ولا رسوخ في علم، حتى تركوا رد السلام على المسلمين، وهي التحية التي نسخت تحية الجاهلين. خلافاً على أدب الله تعالى، وقوله جل جلاله: وإذا حييتم